الثالث: الأحاديث الصحيحة الواردة في حادثة الإسراء التي دلت على أن الإسراء كان بالليل، ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك ﵁ عن مالك بن صعصعة ﵁ «أن رسول الله ﷺ حدثهم عن ليلة أسري به: بينما أنا في الحطيم، وربما قال في الحجر، مضطجعا، إذ أتاني آت" الحديث (١).
والشاهد هو قوله: " ليلة أسري به"، مما يدل على أن الإسراء يكون بالليل.
فإن قيل: إن لو كان معنى الإسراء: السير بالليل خاصة، لما قيده في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ وإلا فلا حاجة للتقييد، مما يدل على أنه يجوز أن يكون في وقت غير الليل.
فالجواب: أن التقييد باليل في قوله: ﴿لَيْلًا﴾ للتأكيد الدال على التعظيم، أو أن ﴿لَيْلًا﴾ للتنكير: لإفادة تقليل مدة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل (٢).
• النتيجة:
بعد ذكر ما تقدم من ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة، يتبين أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن المراد من الإسراء في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ السير ليلا، لما تقدم إيراده من الأوجه التي تدل على ذلك، والله أعلم.
(١) أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج، برقم: (٣٨٨٧)، وأورده ابن كثير في تفسيره (٥/ ٦). (٢) انظر: الكشاف: الزمخشري (٢/ ٦٤٦)، وانظر: مفاتيح الغيب: الرازي (٢٠/ ٢٩٢)، وانظر: التبيان في إعراب القرآن: أبو البقاء العكبري (٢/ ٨١١)، وانظر: مدارك التنزيل: النسفي (٢/ ٢٤٤)، وانظر: فتح القدير: الشوكاني (٣/ ٢٤٦).