للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• دراسة المسألة:

ذكر القاسمي في تفسيره من اللطائف في سر التقديم والتأخير في الآية: أن الحكمة في تأخير الاستدلال بالحاجة للطعام عما قبله من مساواتهما للرسل ، على بطلان مذهب النصارى: الترقي في باب الاستدلال من الجلي للأجلى، على ما هو القاعدة في سوق البراهين لإلزام الخصم، حتى إذا لم يسلم في الجلي لغموضه عليه، يورد له الأجلى تعريضا بغباوته. فيضطر للتسليم، إن لم يكن معاندا ولا مكابرا. هذا ما ظهر لي في سر التقديم والتأخير (١).

والذي ذكره هو الأقرب للصواب في تفسير الآية، وذلك من أوجه:

الأول: أن مثل هذا الاستدلال وهو: - الترقي في باب الاستدلال من الجلي للأجلى- قد جاء نظيره في القرآن كما وقع في مناظرة إبراهيم : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [سورة البقرة: ٢٥٨]، فجاء بسجينَيْن فقتل أحدهما وأطلق الآخر، فكأنه أحيا وأمات، فلما رأى فإبراهيم منه ذلك لم يجادله في فعله، إنما انتقل إلى ما هو أجلى وأوضح فقال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ [سورة البقرة: ٢٥٨].

الثاني: مما يدل على أن سر التقديم: الاستدلال بالجلي للأجلى: لأن أكلهما للطعام أمر لا يُنكَر، لكن لو جيء بأدلة عقلية أخرى ربما يكون فيها جدل، لكن الاستدلال بالمحسوس أبلغ من الاستدلال بالمعقول، لأن المعقول يمكن فيه الجدل، لكن المحسوس لا يمكن فيه الجدل (٢).

الثالث: مما يدل على أن سر التقديم هو الاستدلال بالجلي للأجلى: التأكيد، فإنه بعد ما أثبت القرآن أنه رسول كغيره من الرسل وأمه صديقة، ارتقى في الاستدلال بالتأكيد على


(١) انظر: محاسن التأويل: القاسمي (٦/ ٢١٠٤).
(٢) تفسير القرآن الكريم (سورة المائدة): العثيمين (٢/ ٢٢١)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>