للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يعدون، أمواتا لا يحصرون (١).

وبهذا يتبين أن الآية ليس فيها أي دلالة تدل على وجوب مواراة الميت، فإن مواراة الميت لا نزاع فيها بين الناس، إلا طوائف من مجوس الهند وبعضًا من الرومان ممن يقوم بحرق الميت (٢)، وليست فيها إشارة أو مفهوم يدل على وجوب قطع يد النباش الذي ينبش القبور، ويسرق ما يجد فيها، والله أعلم.

الثالث: مما يدل على عدم دلالة الآية على وجوب مواراة الميت، أو وجوب قطع يد النباش، أن الآية تخبر عن حال الأرض، فقوله: ﴿كِفَاتًا﴾ حال من الأرض، أي: في حال كونها ضامّة جامعة للخلق، وتكون الحال مقدرة (٣)، فلا يُفهم منها وجوب مواراة الميت، أو وجوب قطع يد النباش.

الرابع: أن من شروط الاستنباط: أن يحتمل المعنى المُستَنبط ظاهر لفظ القرآن، وليس بمجرد فهم اللغة، وقد تقدم بيان هذا الشرط في المسألة السابقة (٤).

فظاهر القرآن يدل على امتنان الله تعالى على عباده ورحمته بهم بأن جعل تلك القبور حفظًا لهم وسترا لأجسادهم لأي تعرض لتلف ونحو ذلك، وليس فيه وجوب قطع يد النباش.

• النتيجة:

يتبين مما تقدم ذكره في هذه المسألة، أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من أن الآية على ظاهرها، وغير دالة على وجوب مواراة الميت، أو قطع يد النباش الذي يسرق من القبور، لما تقدم إيراده من الأوجه الدالة على ذلك، والله أعلم.


(١) عادل الحنبلي (٢٠/ ٧٦)، وانظر: فتح البيان: القنوجي (١٥/ ١٦).
(٢) انظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٢٩/ ٤٣٣).
(٣) انظر: إعراب القرآن: النحاس (٥/ ٧٥)، وانظر: الكشاف: الزمخشري (٤/ ٦٧٩)، وانظر: التبيان: أبو البقاء (٢/ ١٢٦٤)، وانظر: الكتاب الفريد: المنتجب الهمذاني (٦/ ٣١٣).
(٤) انظر ما تقدم قبل قليل، ص: (١٠٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>