للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• دراسة المسألة:

يتبين من خلال ما تقدم أن بيان تفصيل المحرم في قوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ مما اختلف العلماء فيه قديمًا، والمتأمل فيما ذهب إليه الفريقان يجد أن كُلاً منهما يرد عليه إيراد يُضعفه ويصرفه عن الراجح منهما.

فأما ما ذهب إليه أصحاب الفريق الأول: من أن الإجمال في قوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ مبين بقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ الآية.

يرد عليه: أن سورة الأنعام مكية وسورة المائدة مدنية وهي آخر ما أنزل الله بالمدينة وقوله ﴿وَقَدْ فَصَّلَ﴾ يقتضي أن يكون ذلك المفصل مقدما على هذا المجمل والمدني متأخر عن المكي والمتأخر يمتنع كونه متقدما (١).

وأما ما ذهب إليه أصحاب الفريق الثاني: من أن الإجمال في قوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ مبين بقوله: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [سورة الأنعام: ١٤٥] الآية.

يرد عليه: أن سورة الأنعام نزلت جملة واحدة على الصحيح، فذلك ينافي أن يكون المتأخر في التلاوة متقدما نزوله (٢).

وقد تكلف كُل من الفريقين لما ذهبوا إليه:

فأما الفريق الأول: فقالوا: أن الله لما علم أن سورة المائدة متقدمة على سورة الأنعام في الترتيب لا في النزول حسن عود الضمير في قوله ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ إلى ما هو متقدم في الترتيب وهو قوله ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ الآية والله أعلم بمراده (٣).


(١) انظر: مفاتيح الغيب: الرازي (١٣/ ١٢٩)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٩/ ٨١)، وانظر: إرشاد العقل السليم: أبو السعود (٣/ ١٧٩) وانظر: أضواء البيان: الشنقيطي (٢/ ٢٤٥).
(٢) انظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٨/ ٣٤).
(٣) انظر: لباب التأويل: الخازن (٢/ ١٥١)، وانظر: فتح البيان: القنوجي (٤/ ٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>