للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بحسب أوامره ونواهيه، وقد جعل تعالى الدين يسرا، وهذا هو القول الصحيح" (١).

القرطبي: "قيل: إن قوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ بيان لهذه الآية. والمعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، وهذا أصوب، لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع والجمع ممكن فهو أولى" (٢).

• دراسة المسألة:

من خلال النظر والتتبع في أقوال المفسرين وخلافهم في الآية من حيث الإحكام والنسخ، يظهر أن الصواب مع أصحاب القول الثاني وهو أن الآية مُحكمة وليست منسوخة، ويدل على ذلك ما يلي:

أولا: ما تقدم من قول القاسمي أن كلا من الآيتين سيق في معنى خاص به، فلا يتصور أن يكون في هذه الجملة طلب ما لا يستطاع من التقوى، بل المراد منها دوام الإنابة له تعالى وخشيته وعرفان جلاله وعظمته قلبا وقالبا.

ثانيًا: أنه لا يستقيم النسخ فيه، فقوله ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ تفسير لهذه الآية؛ لأن من أطاع الله في وقت وجوب الطاعة، وذكره في وقت وجوب الذكر، وشكره في موضع وجوب الشكر، فقد اتقى الله حق تقاته. وهذا لم يصر منسوخا، وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ موافق له؛ لأن التقوى إن كان في موضع الأمر والوجوب، والأوامر والواجبات على قدر الاستطاعة، فتكون إحدى الآيتين موافقة للأخرى، فلا يستقيم فيه النسخ (٣).

ثالثًا: الظاهر أن قوله: ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، كما تقول: ضربت زيدا شديد الضرب، أي: الضرب الشديد. فكذلك هذا أي اتقوا الله الاتقاء الحق، أي الواجب الثابت. أما إذا جعلت التقاة جمعا فإن التركيب يصير مثل: اضرب زيدا حق ضُرَّابه، فلا يدل هذا التركيب على معنى: اضرب زيدا كما يحق أن يكون ضرابه. بل


(١) المحرر الوجيز: ابن عطية (٢/ ٥٣٦).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٤/، وانظر: فتح القدير (١/ ٤٢٠).
(٣) تفسير القرآن: أبي المظفر السمعاني (١/ ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>