بعد النظر في أقوال أهل العلم في هذه المسألة، واستقراء ما ذكره المفسرون في تأويل الآية، وما أوردوا فيه من روايات، يتبين أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم (١)، من أن قوم يونس رأوا علامات العذاب بأعيانهم قبل وقوعه عليهم، وذلك من أوجه:
الأول: الدلالة في قوله: ﴿كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ والكشف إنما يكون بعد وقوع العذاب أو قرب العذاب (٢).
والكشف كما يقول ابن عاشور: إزالة ما هو ساتر لشيء، وهو هنا مجاز في الرفع. والمراد: تقدير الرفع وإبطال العذاب قبل وقوعه فعبر عنه بالكشف تنزيلا لمقاربة الوقوع منزلة الوقوع (٣).
الثاني: أن هذا القول هو المروي عن جماعة من السلف رضوان الله عليهم، وهم أعلم بكتاب الله ممن جاء بعدهم.
فقد روي عن ابن عباس ﵁:«إن العذاب كان هبط على قوم يونس، حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل، فلما دعوا كشف الله عنهم»(٤).
وروي عن مقاتل:«كان العذاب فوق رؤوسهم قدر ميل»(٥).
وبنحو ذلك روي عن جماعة من السلف: كقتادة، والربيع بن أنس، وابن أبي نجيح،
(١) نص على هذا السمعاني في تفسيره (٢/ ٤٠٦)، والبغوي في تفسيره (٤/ ١٥١)، والخازن في تفسيره (٢/ ٤٦٥)، وابن عادل الحنبلي في تفسيره (١٠/ ٤١٥). (٢) انظر: تفسير القرآن: السمعاني (٢/ ٤٠٦). (٣) التحرير والتنوير: ابن عاشور (١١/ ٢٩٠). (٤) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١٢/ ٣٩٥، ٢٩٦)، وانظر: موسوعة التفسير بالمأثور: مجموعة من المؤلفين (١١/ ١٥٨). (٥) تفسير مقاتل بن سليمان (٢/ ٢٥٠) بتصرف، وأورده الثعلبي في تفسيره (١٤/ ٢٩٣)، والسيوطي في الدر المنثور (٢/ ٥٦٤).