للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وهذا أولى ما حملت عليه الآية، فالسحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم، ودقة أفهامهم" (١).

• دراسة المسألة:

بعد عرض ما تقدم من أقوال المفسرين، يظهر أن الراجح والصواب أن هاروت وماروت من الملائكة ولَيْسا من الجن، بخلاف ما قرره ابن حزم في الفِصل، وذلك للأوجه الآتية:

أولاً: سياق الآية وظاهر اللفظ الذي يدل على أن هاروت وماروت من الملائكة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾. ولم يقل الشياطين.

ثانيًا: القول بأن هاروت وماروت كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض، فكان من أمرهما ما كان، هو ما ذهب إليه كثير من السلف (٢).

ثالثًا: القول بأن ﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ بدل من ﴿الشَّيَاطِينَ﴾ وأن المراد بالشياطين شيطانان وضعا السحر للناس هما هاروت وماروت، من الخطأ إذ يلزم أن يصير قوله: ﴿عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ كلاما حشوا (٣).

رابعًا: ورود بعض الآثار الصحيحة التي ظاهرها يدل على أن هاروت وماروت من الملائكة.

ومن ذلك: ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره عن عبيد الله بن عبد الله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ كانا ملكين من الملائكة، فأهبطا ليحكما بين الناس. وذلك أن الملائكة سخروا من حكام بني آدم، فحاكمت إليهما امرأة، فحافا لها. ثم ذهبا يصعدان فحيل بينهما وبين ذلك، ثم خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب


(١) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٢/ ٢٨٢).
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (١/ ٥٢٣)، وانظر: فتح القدير: الشوكاني (١/ ١٤٠).
(٣) انظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (١/ ٦٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>