للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الملائكة نسباً وهو زعمهم أنهم بناته" (١).

• دراسة المسألة:

من خلال استقراء ما ذكره أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾، يتبين أن الصواب من أقوالهم ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن المراد من الجِنة: الجن من الشياطين والمردة، وذلك من أوجه:

الأول: أن الجِنة اسم للجن لا للملائكة، قال الله تعالى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ يعني الجن، وقال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [سورة المؤمنون: ٧٠] أي جن أصابه بمس، ولا يمكن أن يعبر بالجن الذين خلقوا من نار عن الملائكة الذين خلقوا من نور، وهم من أشرف خلق الله ﷿، قال الله تعالى: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [سورة الأنبياء: ٢٨] فالمراد بالجنة هنا الجن الذين هم: خلق غيبي خلقوا من نار، ولكن كيف جعلوا نسبًا؟ المراد بالنسب مجرد الصلة وليس النسب الذي هو القرابة، بل النسب الذي هو الصلة، وذلك أن المشركين لما قالوا: إن الملائكة بنات الله. قيل لهم: لا بنات إلا بزوجة، قالوا: نعم إن الله -جل وعلا وسبحانه عما يصفون- تزوج من الجن جنية فولدت الملائكة -قاتلهم الله- هذا هو النسب الذي جعلوا بين الله وبين الجنة، فالمراد أن النسب هنا مطلق الصلة، لا صلة القرابة فقط، هذا هو المعنى الذي يدل عليه استعمال الجنة في كلام الله، وأن المراد بالجِنة الجن (٢).

الثاني: من حيث اللغة: فإن الجِنة تطلق على جماعة الجن خاصة، كما في قوله تعالى: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ وقوله: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ (٣)، بخلاف لفظ:


(١) الكشاف: الزمخشري (٤/ ٦٤)، وانظر: أنوار التنزيل: البيضاوي (٥/ ٢٠).
(٢) تفسير القرآن الكريم (سورة الصافات): العثيمين (ص: ٣٢٩).
(٣) تفسير القرآن الكريم (سورة الصافات): العثيمين (ص: ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>