القرطبي:"ومعنى: ﴿صَرَفْنَا﴾ وجهنا إليك وبعثنا. وذلك أنهم صُرفوا عن استراق السمع من السماء برجوم الشهب"(١).
• دراسة المسألة:
بعد التتبع والنظر واستقراء ما ذكره المفسرون وأهل العلم في هذه المسألة، لم يتم الوقوف على أحد من المفسرين ممن نص على أن (إلى) في قوله تعالى: ﴿إِلَيْكَ﴾ تعليلية، وإنما بناء على فهم القاسمي ﵀ من كلام الماوردي وإيراده المعنى الذي دلت عليه بعض الآثار من أن الجن صرفوا عن استراق سمع السماء برجوم الشهب، من أجل بعثة النبي ﷺ، ولعل تعقبه على الماوردي يرده ما يلي:
أولا: أن ما ذكره الماوردي من أن الجن صرفوا عن استراق سمع السماء، برجوم الشهب بعد بعثة رسول الله ﷺ، قد جاء عن بعض من السلف، كابن عباس، وسعيد بن جبير (٢).
ويشهد لذلك ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس ﵁ قال: "انطلق رسول الله ﷺ في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر، فمر النفر الذين توجهوا نحو تهامة بالنبي ﷺ وهو بـ «نخلة»(٣) وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [سورة الجن: ٢]، فأنزل الله على
(١) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٩/ ٢٢٠). (٢) أخرج أقوالهم ابن جرير الطبري في تفسيره (٢١/ ١٦٣، ١٦٤)، وانظر: البسيط: الواحدي (٢٠/ ١٩٨)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٧/ ٢٦٦). (٣) نخلة: موضع بين مكة والطائف. ينظر: فتح الباري: ابن حجر (٨/ ٦٧٤).