ذكر القاسمي في تفسيره أن من أهل العلم من ذهب إلى أن المغفرة المراد بها معناها اللغوي. وهو الستر والصفح، بالإمهال وتأخير العقاب إلى الآخرة، أي: إنه ذو صفح عظيم لا يعاجل بالعقوبة. مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار. كما قال سبحانه: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾، وهذا التأويل أنسب بالسياق الرهيب! (١).
ثم تعقب على من اقتصر على معنى الستر والصفح الذي دلت عليه الآية، وأنكر أن يكون تأخير العذاب يدخل في عموم معنى المغفرة، وما ذهب إليه لعله هو الصواب، وهو ما عليه أصحاب القول الأول، وذلك من أوجه:
الأول: من حيث سياق الآية: فقد ورد في ذكر الآية قوله: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ وذلك أن لفظ كلمة ﴿مَغْفِرَةٍ﴾ جاءت مُيَسَّرة ومُنَكّرة مقللة، وليس فيها مبالغة كما في قوله: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ [سورة طه: ٨٢] ونمط الآية يعطي هذا، ألا ترى حكمه عليهم بالنار، ثم قال: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ﴾ فلما ظهر سوء فعلهم وجب في نفس السامع تعذيبهم، فأخبر بسيرته في الأمم وأنه يمهل مع ظلم الكفر، ولم يرد في الشرع أن الله تعالى يغفر ظلم العباد (٢).
وجملة ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ عطف على جملة ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ﴾. وهذا كشف لغرورهم بتأخير العذاب عنهم لأنهم لما استهزأوا بالنبي ﷺ وتعرضوا لسؤال حلول العذاب بهم ورأوا أنه لم يعجل لهم حلوله اعترتهم ضراوة بالتكذيب وحسبوا تأخير العذاب عجزا من المتوعد وكذبوا بالنبيء ﷺ وهم يجهلون أن الله حليم يمهل عباده لعلهم يرجعون، فالمغفرة هنا مستعملة في المغفرة الموقتة، وهي التجاوز عن ضراوة تكذيبهم وتأخير العذاب إلى أجل (٣).
(١) محاسن التأويل: القاسمي (١٠/ ٣٦٤٧). (٢) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٥/ ٥٧٥). (٣) انظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (١٣/ ٩٢، ٩٣).