فدل هذا السياق أن تأخير العذاب على مشركو قريش من مغفرة الله تعالى، ولطفه ورحمته بهم، إذ لم يعاجلهم بالعقوبة.
الثاني: نظائر الآية: فهذه الآية نظيرها قوله تعالى حكاية عن عيسى ﵇: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سورة المائدة: ١١٨] وذلك أنه قيل في تأويل الآية أن المراد: وإن تؤخر العذاب عنهم في الحال إلى الآخرة ﴿فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾؛ أي: المنتقم منهم في الآخرة، وتأخير العذاب يسمى مغفرة، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾.
وأيضًا: قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ [الكهف: ٥٨]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة إبراهيم: ٣٦] على ذلك، ولا شك أن القول الذي تؤيده آيات قرآنية مقدم على غيره (١).
الثالث: أنه قد أُثر عن بعض من السلف ما يؤيد القول بأن المراد من المغفرة في الآية: تأخير العذاب.
فروي عن مقاتل أنه قال:" ﴿مَغْفِرَةٍ﴾ يعنى ذو تجاوز لِلنَّاسِ ﴿عَلَى ظُلْمِهِمْ﴾ يعني على شركهم بالله في تأخير العذاب عنهم إلى وقت، يعني الكفار فإذا جاء الوقت عذبناهم بالنار، فذلك قوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ "(٢).
وروي عن مجاهد أنه قال:"إنه لذو تجاوز عن شركهم في تأخير العذاب عنهم، وإنه لشديد العقاب إذا عاقب"(٣).
فائدة: استنبط الزمخشري من قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [سورة الشورى: ٥] احتمالية أن يكون المراد من استغفار الملائكة للمشركين: الحلم عنهم وأن لا
(١) التيسير في التفسير: أبو حفص النسفي (٥/ ٥٤١)، بتصرف، وانظر تقرير قاعدة: "القول الذي تؤيده آيات قرآنية مقدم على ما عدم ذلك" في قواعد الترجيح: د. حسين الحربي (١/ ٢٨١ - ٢٨٨). (٢) تفسير مقاتل بن سليمان (٢/ ٣٦٨)، وانظر: زاد المسير: ابن الجوزي (٢/ ٤٨٣). (٣) لباب التأويل: الخازن (٣/ ٦).