وذلك أن النبي ﷺ كان يبعث السرايا فإذا غَلبُوا أو غُلبُوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيفشون ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول اللَّه ﷺ فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل اللَّه: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ﴾ يعني المنافقين) (١).
فإن قيل: إن الآية نزلت عندما اعتزل النبي ﷺ نساءه، فأُشيع بأنه طلقهن كما في صحيح مسلم (٢).
والجواب: أن يُقال: لا مانع والله أعلم أن تكون الآية نزلت مرتين: مرة في المنافقين، ومرة في اعتزال النبي ﷺ نساءه، والله أعلم.
الوجه الثالث: أن مثل هذه الأوصاف - وهو: إفشاء الأخبار بالهزيمة وإذاعة الخوف- يُعد من الإرجاف الذي لا ينفك عن الكذب، ويُسبب الفتنة، وهذا في الغالب من أوصاف المُنافقين الذين يُرجفون إذا وقع خبر الأمن للمسلمين، وإن وقع خبر الخوف بالغوا في ذلك وزادوا فيه، وألقوا الرعب في قلوب الضعفة (٣).
والمتأمل في ما تقدم من الأوجه عند كل فريق، يظهر له أنه لا مانع من حمل الآية على كلا المعنيين، فيُمكن الجمع بينهما بأن يُقال: يجوز أن يكون المراد من القوم: المنافقين، ويجوز أن يُراد: ضعفة المسلمين، ولا تعارض، إذ إن الجمع أولى من الترجيح إن أمكن، باتفاق أهل الأصول (٤).
• النتيجة:
بعد عرض ما تقدم من أقوال المفسرين في المقصود من القوم الوارد ذكرهم في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ﴾، وما ذكر عند كل فريق من أوجه تُقوي ما ذهب إليه، يظهر أن الراجح هو: حمل الآية على كلا المعنيين المتقدم ذكرهما، لما تقدم تقريره، والله أعلم.
(١) انظر: معالم التنزيل: البغوي (٢/ ٢٥٤، ٢٥٥)، وانظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٣/ ٢٣٤). (٢) أخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء، واعتزال النساء، برقم: (١٤٧٩). (٣) انظر: اللباب: ابن عادل الحنبلي (٦/ ٥٢١)، وانظر: غرائب القرآن: النيسابوري (٢/ ٤٥٦). (٤) انظر: تقرير هذه القاعدة في المفهم: القرطبي (٢/ ٢٢٦)، وانظر: فتح الباري: ابن حجر (٩/ ٤٧٤).