الوجه الثاني: أن مثل هذا الفعل - وهو إذاعة الأخبار من غير رجوع إلى أولي الأمر- جائز أن يصدر من المنافقين ومن ضعفة المسلمين، مع اختلاف مقصد كل منهما.
قال الزجاج:" كان إذا علم النبي ﷺ أنه ظاهر على قوم أمن منهم، أو علم تجمع قوم يخاف من جمع مثلهم، أذاع المنافقون ذلك ليحذر من يحذر من الكفار، ويقوى قلب من ينبغي أن يقوى قلبه لما أذاعوا وكان ضعفة المسلمين يشيعون ذلك معهم من غير علم بالضرر في ذلك"(١).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا:"يجوز أن يكون الكلام في جمهور المسلمين من غير تعيين لعموم العبرة، ومن خبر أحوال الناس يعلم أن الإذاعة بمثل أحوال الأمن والخوف لا تكون من دأب المنافقين خاصة، بل هي مما يلغط به أكثر الناس، وإنما تختلف النيات، فالمنافق قد يذيع ما يذيعه لأجل الضرر، وضعيف الإيمان قد يذيع ما يرى فيه الشبهة، استشفاء مما في صدره من الحكة، وأما غيرهما من عامة الناس فكثيرا ما يولعون بهذه الأمور لمحض الرغبة في ابتلاء أخبارها، وكشف أسرارها، أو لما عساه ينالهم منها"(٢).
ثانيًا: أوجه بيان أن ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني:
الوجه الأول: سياق الآيات التي جاء في ذكر المنافقين، فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ﴾ الآية. عطف على جملة: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ﴾ فضمير الجمع راجع إلى الضمائر قبله العائدة على المنافقين وهو الملائم للسياق.
وأيضًا: الكلام مسوق مساق التوبيخ للمنافقين، واللوم لمن يقبل مثل تلك الإذاعة من المسلمين الأغرار (٣).
الوجه الثاني: سبب النزول الوارد في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾
(١) معاني القرآن: الزجاج (٢/ ٨٣)، وانظر: تفسير القرآن: السمعاني (١/ ٤٥٣). وانظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٣/ ٢٣٣)، وانظر: روح المعاني: الآلوسي (٦/ ١٦٨). (٢) تفسير المنار: محمد رشيد رضا (٥/ ٢٤٢)، وانظر: تفسير المراغي (٥/ ١٠٥). (٣) انظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٥/ ١٣٩)، وانظر: المحرر في أسباب النزول: المزيني (١/ ١٨٥).