جاء في تفسير الآية أن غنما على عهد داوود وسليمان مرت بحرث لقوم فأفسدته، وروي أن الحرث كان حنطة، وروي أنه كان كَرْما، فأفسدت ذلك الحرث فحكم داود بدفع الغنم إلى أصحاب الكَرْم وحكم سليمان بأن يدفع الغنم إلى أصحاب الكرم فيأخذوا منافعها من ألبانها وأصوافها وعوارضها إلى أن يعود الكرم كهيئته وقت أفسد فإذا عاد الكرم إلى هيئته ردت الغنم إلى أربابها ويُدفع الكرم - وهو العنب- إلى صاحب الكرم، فكان الصواب مع سليمان ﵇، ولهذا قال سبحانه: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ (١).
ومن خلال التأمل في أقوال أهل العلم واستقراء ما ذكره المفسرون في تأويل الآية، يتبين أن الصواب من أقوالهم: أن الآية دالة على جواز اجتهاد الأنبياء، وان حكم داوود وحكم سليمان ﵉ كان باجتهاد، وهو الذي عليه جمهور المفسرين (٢)، وهو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وذلك من أوجه:
الأول: ظاهر الآية الذي يدل على أن الأنبياء يجوز لهم الاجتهاد في الإفتاء والقضاء بين الناس، لأن داود وسليمان ﵉، لو حكما من طريق النص لما خص سليمان بالفهم فيها دون داود ﵉، وما يذكر بالتفهيم إنما يكون بالاجتهاد، فأما الوحي والتنزيل، فلا يذكر بالتفهيم (٣).
وأن قوله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا﴾ الآية يدل على أنه فهمه إياها من نصوص ما كان عندهم من الشرع؛ لا أنه أنزل عليه فيها وحيًا جديدًا ناسخًا؛ لأن قوله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا﴾ أليق بالأول من الثاني (٤).
(١) انظر: معاني القرآن: الزجاج (٣/ ٣٩٩). (٢) نص على هذا ابن عطية في المحرر الوجيز (٦/ ٧٠٠)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (١٤/ ٢٣٦)، والشوكاني في فتح القدير (٣/ ٤٩٣). (٣) انظر: الفصوص في الأصول: الجصاص (٣/ ٢٤٠)، وانظر: المسائل الأصولية: أبو يعلى الحنبلي (ص: ٧٦)، وانظر: أصول السرخسي (٢/ ٩٣)، وانظر: الواضح في أصول الفقه: ابن عقيل البغدادي (٥/ ٣٩٨)، وانظر: روضة الناظر: ابن قدامة (٢/ ٣٤٦). (٤) انظر: الفصوص في الأصول: الجصاص (٣/ ٢٤٠)، وانظر: المسائل الأصولية: أبو يعلى الحنبلي (ص: ٧٦)، وانظر: أصول السرخسي (٢/ ٩٣)، وانظر: الواضح في أصول الفقه: ابن عقيل البغدادي (٥/ ٣٩٨)، وانظر: روضة الناظر: ابن قدامة (٢/ ٣٤٦).