للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الثاني: أن بعضًا من السلف، استنبطوا من الآية مشروعية الإفتاء في الحوادث والنوازل.

فقد وروي عن الحسن البصري أنه قال: لولا هذه الآية، لم يجرأ أحد منا أن يفتي في الحوادث (١).

والشاهد: أن قضاء سليمان ، كان بفتوى واجتهاد، وإلا لولا هذا الاجتهاد، لما تجرأ أحد على الفُتيا والاجتهاد.

وأخرج ابن أبي حاتم بسنده أن إياس بن معاوية لما استقضى، أتاه الحسن فرآه حزينا فبكى إياس فقال: ما يبكيك؟! فقال: يا أبا سعيد، بلغني إن القضاة ثلاثة: رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار، ورجل مال به الهوى فهو في النار، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة، فقال الحسن: إن فيما قص الله من نبأ داود ما يرد ذلك. ثم قرأ: أخذ الله على الحكام ثلاثة: أن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا، ولا يتبعوا الهوى، ولا يخشوا الناس. ثم تلا هذه الآية: ﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ [سورة ص: ٢٦] الآية، وقال: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [سورة المائدة: ٤٤] (٢).

الثالث: مما يدل على أن حكم داود كان اجتهادا وليس وحيًا: روي في الأخبار الكثيرة أن داود لم يكن بت الحكم في ذلك حتى سمع من سليمان أنَّ غير ذلك أولى، وفي بعضها أنّ داود ناشده لكي يورده ما عنده، ولو كان نصاً لكان يظهره ولا يكتمه.

ووجه الاجتهاد فيه ما ذكره ابن عباس : أن داود قَوَّم قدر الضرر في الكرم فكان مساوياً لقيمة الغنم وكان عنده أنّ الواجب في ذلك الضرر أن يزال بمثله من


(١) انظر: أضواء البيان: الشنقيطي (٤/ ٧٤٦).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٨/ ٢٤٥٨)، برقم: (١٣٦٨٧)، وإسناده حسن، وانظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٥/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>