فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ والصحيح فيها أيضا عدم النسخ" (١).
• دراسة المسألة:
من خلال الاستقراء والنظر في أقوال المفسرين من السلف ومن بعدهم في هذه المسألة، يظهر أن الصواب مع أصحاب القول الثاني وهو: أن الآية مُحكمة وليست منسوخة، وهو قول جمهور أهل العلم (٢)، للأدلة التالية:
أولا: فعل السلف ﵃ الذي يُفسر الآية بمشروعية إعطاء الفقراء والمساكين من مال الميراث:
فقد روى ابن أبي حاتم أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق قسم ميراث أبيه عبد الرحمن، وعائشة حية. فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه وتلا هذه الآية: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى﴾ الآية (٣).
وقد أُثر عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يرضخون للفقراء من الميراث ويأمرون به (٤).
ثانيًا: أنه يشترط في الناسخ والمنسوخ اخلاف الحكمين: بحيث ينفي الأول الآخر والعكس، ويتعذر حملهما، فغير جائز أن يقال لحكم من الأحكام بأنه ناسخ لحكم آخر، أو منسوخ بحكم آخر، إلا والحكمان اللذان قضى لأحدهما بأنه ناسخ، والآخر بأنه منسوخ ناف كل واحد منهما صاحبه، غير جائز اجتماع الحكم بهما في وقت واحد بوجه من الوجوه، وإن كان جائزا صرفه إلى غير النسخ، أو يقوم بأن أحدهما ناسخ والآخر منسوخ
(١) أضواء البيان: الشنقيطي (٩/ ١٩٨)، وانظر: بيان الناسخ والمنسوخ: الشنقيطي (ص: ١٧٩). (٢) نص على هذا مكي بن أبي طالب في الإيضاح (ص: ٢١٠)، وابن عاشور في التحرير والتنوير (٤/ ٢٥١). (٣) أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن بن أبي الربيع عن عبد الرزاق به، وهو بسنده ولفظه في تفسير عبد الرزاق وصححه الحافظ ابن حجر. ينظر: فتح الباري: ابن حجر (٨/ ٢٤٢)، وانظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٣/ ٢٢) الحاشية. (٤) انظر: جامع البيان: الطبري (٦/ ٤٣٣)، وانظر: الكشاف الزمخشري (١/ ٤٧٧)، وانظر: نواسخ القرآن: ابن الجوزي (٢/ ٣٤٣)، وانظر: مفاتيح الغيب: الرازي (٩/ ٥٠٤).