للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

السعدي: " ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ أي: هو الذي أحاط علمه، بالظواهر والبواطن، وسمعه بجميع الأصوات الظاهرة، والخفية، وبصره بجميع المبصرات، صغارها، وكبارها، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ الذي لطف علمه وخبرته، ودق حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن" (١).

• دراسة المسألة:

بعد تتبع واستقراء ما ذكره أهل العلم من المفسرين وغيرهم في هذه المسألة، يتبين أن المناسبة من ذكر اللطف في الآية ظاهرة، وهو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وذلك من أوجه:

الأول: أن تعذر إدراك الخلق للخالق جل وعلا إنما هو من لُطفه سبحانه ورأفته، وفق ما تقتضيه حكمته، فهو أعلم بخلقه وما يصلح لهم.

يقول الإمام الطبري: "والله تعالى ذكره الميسر له من إدراك الأبصار، والمتأتي له من الإحاطة بها رؤية ما يَعسر على الأبصار من إدراكها إياه وإحاطتها به ويتعذر عليها. ﴿الْخَبِيرُ﴾ يقول: العليم بخلقه وأبصارهم، والسبب الذي له تعذر عليها إدراكه فَلَطَّفَ بقدرته، فهيأ أبصار خلقه هيئة لا تدركه، وخَبَر بعلمه كيف تدبيرها وشئونها وما هو أصلح بخلقه" (٢).

الثاني: أنه سبحانه لما قدم نفي إدراك الأبصار له عطف على ذلك قوله: ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ﴾ خطابا للسامع بما يفهم إذ العادة أن كل لطيف لا تدركه الأبصار، ألا ترى أن حاسة البصر إنما تدرك اللون من كل متلون والكون من كل متكون فإدراكها إنما هو للمركبات دون المفردات ولذلك لما قال: ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ عطف عليه قوله: ﴿الْخَبِيرُ﴾ مخصصا لذاته سبحانه بصفة الكمال لأنه ليس كل من أدرك شيئا كان خبيرا بذلك الشيء لأن المدرك للشيء قد يدركه ليخبره ولما كان الأمر كذلك أخبر أنه يدرك كل شيء مع الخبرة به وإنما خص الإبصار بإدراكه ليزيد في الكلام ضربا


(١) تيسير الكريم الرحمن: السعدي (ص: ٢٦٨).
(٢) جامع البيان: الطبري (٩/ ٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>