بجعله ضمير المفعول في لعنهم، أي: ولكن لعنهم الله إلا فريقًا قليلاً، فإنه تعالى لم يلعنهم، فلم ينسد عليهم باب الايمان، وقد آمن بعد ذلك فريق من الأحبار كعبد الله بن سلام وكعب وأضرابهما" (١). فمراده والله أعلم: أن الجمهور من القراء يستثنون هذا الشيء من ضمير النصب وهو أن المستثنى منه: (هم) في (لعنهم) أي لعنهم الله بكفرهم فلا يُؤمنون إلا قليلا لم يلعنهم، وهذا المعنى غير مستقيم، لأنه سيدخل في اللعن أناس بعد ذلك دخلوا في الإيمان.
فتعقبه القاسمي ﵀ وعلل ذلك: بأن النصب عربي جيد من جهة اللغة، واستدل على ذلك بأنه قد قرئ به في السبع في (قليل) من قوله تعالى: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [سورة النساء: ٦٦](٢). وفي (امرأتك) من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ (٣)[سورة هود: ٨١].
وهذا الاستدلال له حظ من النظر، وإن كان القاسمي ﵀ استدل بآيات يختلف موضعها عن هذا الموضع، وقُرأ بها بالنصب والرفع، فلعله يُريد أن النصب يصح من حيث اللغة، كما هو ظاهر كلامه والله أعلم.
فيتضح مما تقدم أن قوله تعالى: ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ يجوز فيه النصب، لوجهين:
الأول: أن اللغة تؤيده، وقد أورد هذا الوجه عند جماعة من المفسرين كما تقدم.
الثاني: أن قراءة النصب المتفق عليها في قوله تعالى ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ تؤيده، والله أعلم.
• النتيجة:
بعد ذكر ما تقدم يظهر أن قوله تعالى: ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ يجوز فيه الرفع على البدل، ويجوز فيه النصب على الاستثناء، ولا يُحصر الاختيار في الرفع على البدل كما هو
(١) إرشاد العقل السليم: أبي السعود (١/ ٧٠٨، ٧٠٩). (٢) قرأ بها ابن عامر بالنصب. ﴿ما فعلوه إلا قليلاً منهم﴾، ينظر: النشر: ابن الجزري (٢/ ٢٥٠)، وينظر: البدور الزاهرة: عبد الفتاح القاضي (١/ ٨١). (٣) قرأ بها: ﴿إلا امرأتُك﴾ وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو بن العلاء، ينظر: النشر: ابن الجزري (٢/ ٢٩٠)، وينظر: البدور الزاهرة: عبد الفتاح القاضي (١/ ١٥٧).