جاء في الجملة الفعل والفاعل في قوله: ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ فالاستثناء تام، ولكن وقعت الجملة في مقام النفي فصار الاستثناء غير موجَب، أي: غير ثابت. ويكون المراد: فلا يؤمنون إلا قليلاً منهم. أي: إلا قليلٌ من اليهود.
فمراده من الكلام الغير موجب: وجود الفاعل ووجود النفي وذلك لأن الاستثناء هنا تام.
ومما يجب بيانه في هذه المسألة أن الاستثناء التام على قسمين:
الأول: تام موجب: ويأتي فيه الاستثناء منصوب.
والثاني: تام غير موجب: يأتي فيه الاستثناء منصوب ولكن تسبقه أداة نفي ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وهذا التأويل الذي اختاره الخفاجي مآله ومراده لا يتعارض مع مراد من قال بأن قوله تعالى: ﴿فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾. منصوب على الاستثناء، فالنصب هنا عربي جيد كما قال القاسمي ﵀، ولكن الفرق: أن من قال منصوب على الاستثناء، بمعنى أن: الاستثناء يعود على اللعن، أي: ولكن لعنهم الله إلا فريقا قليلا منهم، آمنوا فلم يلعنوا.
ومن قال أن الوجه فيه الرفع على البدل، بمعنى أن: الاستثناء في الآية يعود على الايمان، بمعنى: فلا يؤمنون إلا قليلاً منهم. أي: إلا قليلٌ من اليهود.
ولا تعارض، إن قيل الوجه فيه: الرفع على البدل، أو قيل: الوجه فيه: النصب على الاستثناء، فكلاهما يصح والله أعلم.
وذلك لأن الاستثناء إذا كان منفيًا كما في الآية وتوجد جميع أركانه فيجوز النصب ما بعد ﴿إِلَّا﴾ فيكون المعنى: لا يؤمنون إلا قليلاً، ويجوز أن تُجعَل ﴿إِلَّا﴾ بدل من الفاعل أو من المُستثنى منه، فالواو فاعل مستثنى منه، والفاعل يُرفع، فيكون المعنى: لا يؤمنون إلا قليلٌ، على أن قليلٌ بدل من الفاعل، والله أعلم.
وأما عن قول أبي السعود بأن: " الوجه أن يُحمل القليل على من يؤمن لإفضائه إلى وقوع إيمان من لعنه الله وخذله مع ما فيه من نسبة القراء إلى الاتفاق على غير المختار بل