ابن عاشور:"ليس المقصود من قوله: ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ رد اعتقاد معتقد أو نفي تهمة قيلت، ولكن المقصود به الاعتبار ولفت النظر إلى محض نصح الرسول ﷺ في رسالته وأنها لنفع الناس لا يجر منها نفعا إلى نفسه"(١).
• دراسة المسألة:
من المعلوم أن أهل العلم قديمًا اختلفوا في حكم أخذ الأجرة على تعليم العلم، وبخاصة تعليم القرآن، ما بين مُجيز ومُحرِّم (٢)، والجدير بالذكر في هذه المسألة، هو في دلالة قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ على تحريم أخذ الأجرة على تعليم العلم.
والذي يظهر بعد استقراء وتتبع ما ذكره المفسرون في تفسير الآية، أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وذلك من وجهين:
الأول: عدم وروود النهي الصريح الدال على التحريم في الآية على أخذ الأجرة على تعليم العلم، وإنما ظاهر الآية هو أن النبي ﷺ يُخبرهم بأنه لا يسألهم أجراً ترغيبًا لهم للامتثال بأمره، وكي لا يثقل عليهم، وأنه مراده من دعوته ونصحه هو وجه الله تعالى، ولا حظ له في الدنيا، مما يدل على صدق نبوته.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا:"وقد قيل إن هذا مما أمر أن يقتدى بهم فيه - يعني: أجرا على التبليغ والهدى -، والتحقيق: أن ما أمره الله تعالى به استقلالا لا يدخل فيما أمر بفعله اقتداء"(٣).
الثاني: أن سياق الآية وما قبلها، إنما هو خطاب للنبي ﷺ بأن يقتدي بمن سبقه من الرسل ولا يأخذ على تبليغ الرسالة أجرا كما لم يأخذوا هم، فإنه لما أمره الله تعالى بالاقتداء بالنبيين وكان من جملة هداهم عدم طلب الأجر على إيصال الدين وإبلاغ الشريعة لا جرم
(١) التحرير والتنوير: ابن عاشور (٧/ ٣٦٠). (٢) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (٣٣/ ١٠٠، ١٠١). (٣) تفسير المنار: محمد رشيد رضا (٧/ ٥٠٧)، بتصرف.