للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لو صرح بهذا التركيب لاحتيج في فهم معناه إلى تقدير أشياء يصح بها المعنى، والتقدير: اضرب زيدا ضربا حقا كما يحق أن يكون ضرب ضرابه. ولا حاجة تدعو إلى تحميل اللفظ غير ظاهره وتكلف تقادير يصح بها معنى لا يدل عليه ظاهر اللفظ (١).

رابعًا: أن معنى قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أي: كما يحق أن يتقى، وذلك بأن تُجْتَنَبَ جميع معاصيه، ومثل هذا لا يجوز أن يُنْسخ؛ لأنه إباحة لبعض المعاصي، وإذا كان كذلك صار معنى هذه الآية ومعنى قوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ واحداً؛ لأن من اتقى الله ما استطاع فقد اتقاه حق تقاته؛ ولأن حق تقاته ما استطاع من التقوى؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها والوسع دون الطاقة، ونظير هذه الآية قوله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [سورة الحج: ٧٨] (٢).

خامسًا: غير جائز في حكمة الله وعدله ورأفته وفضله أن يتعبد خلقه بما لا تبلغه قدرتهم لأن هذا جور لا عدل، تعالى الله عن ذلك، بل قد أخبر أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، فالآيتان متفقتان وكيف يأمرنا أن نطيعه ولا نعصيه والنبي المعبر عن الله يقول: "استقيموا ولن تحصوا" (٣)، أي لن تحيطوا بالاستقامة إلى جميع الطاعات فإذا كان هو لا يطيق أن يتقي الله حتى لا يعصيه فمن ذا الذي كان يقدر على ذلك؟ (٤).

مناقشة دليل أصحاب القول الأول القائلين بأن الآية منسوخة:

سبب القول بأن الآية منسوخة عند أصحاب القول الأول أنهم تأولوا قوله تعالى: ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ بأن يأتي العبد بكل ما يجب لله ويستحقه. قال: فهذا يعجز العبد عن الوفاء، فتحصيله ممتنع.

وأيضا أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله ومن يقوى على


(١) البحر المحيط: أبو حيان (٦/ ٤٨).
(٢) اللباب: ابن عادل الدمشقي (٥/ ٤٣٠).
(٣) أخرجه ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها، باب المحافظة على الوضوء، برقم: (٢٧٧)، قال الألباني: حديث صحيح.
(٤) الناسخ والمنسوخ: ابن العربي المعافري (٢/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>