لآخر، نحو قوله تعالى: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾، فما قبل «بل» فيه على حاله، وكذا قوله تعالى: ﴿(١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [سورة الأعلى: ١٦](١).
وجاء أيضًا في الآية لفظ: ﴿دُونِ﴾ وهو يدل على المخالفة لأحوال المؤمنين، أي ليسوا أهلا للتحلي بمثل تلك المكارم (٢).
الرابع: نظائر الآية التي دلت على أن المراد بالذين في قلوبهم غمرة: المشركون، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ أي المكذبون ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ [سورة الذاريات: ١١] أي: الجهالة التي غمر قلوبهم - أي: غطاها، وغشاها، كغمرة الماء، وغمرة الموت؛ فغمرات - ما غطاها من جهل، أو هوى، أو سكر، أو غفلة، أو حب، أو بغض، أو خوف، أو هم وغم، ونحو ذلك. قال تعالى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾؛ أي: غفلة، وقيل: جهالة (٣).
الخامس: أن جماعة من السلف ذهبوا إلى أن الذين وصفهم الله في قوله: في قوله تعالى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾ هم المشركون.
ومن ذلك ما روي عن مقاتل أن قال: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ﴾ يعني الكفار ﴿فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾ يقول في غفلة من إيمان بهذا القرآن (٤)، وبنحو هذا ذهب عبد الرزاق بن همام الصنعاني (٥)، وقتادة (٦).
(١) انظر: الزيادة والإحسان: ابن عقيلة المكي (٨/ ٧٩)، وانظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٣٠/ ٢٨٩). (٢) انظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (١٨/ ٨٠). (٣) انظر: التبيان في أيمان القرآن: ابن القيم (١/ ٤٣٨). (٤) تفسير مقاتل بن سليمان (٣/ ١٦٠). (٥) انظر: تفسير عبد الرزاق (٢/ ٤١٨) (٦) انظر: غريب القرآن: ابن قتيبة (ص: ٢٩٨)، وانظر: معاني القرآن: النحاس (٤/ ٤٧٢).