للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والمعنى: أن الأعشى يخاطب بهذا الشعر عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان، وهو من بني تغلب. يقول له: لا تعتصم من هجائي بشيْ. ولا يمكنك دفعه، وإن جعلت في قرر الأرض، وأصعد بك إلى السماء ليلحقك من هجائي ما لا تطيقه (١).

ثانيًا: أصحاب القول الأول الذين ذهبوا إلى أن المراد: وما أنتم بمعجرين في الأرض، ولا الذين في السماء بمعجزين. يؤيد ما ذهبوا إليه وجهين:

الأول: نظائر الآيات التي تدل على هذا المراد: ومن ذلك قوله تعالى: ﴿مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [سورة سبأ: ٣] (٢).

ومن ذلك أيضا: أن التقدير في قوله تعالى: ﴿فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ أي: من في السماء بمعجزي الله. على حرف (من) مرة واحدة، كما قال: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ [سورة الصافات: ١٦٤] أي: إلا من له مقام (٣).

الثاني: الشواهد من اللغة التي تؤيد هذا المراد: ومن ذلك: قول حسان بن ثابت :

أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّه مِنْكُمْ … ويَمْدَحُهُ ويَنْصُرَهُ سَوَاءُ (٤)

أراد: ومن ينصره ويمدحه، فأضمر (من). قال: وقد يقع في وهم السامع أن النصر والمدح لـ (من) هذه الظاهرة؛ ومثله في الكلام: أكرم من أتاك وأتى أباك، وأكرم من أتاك ولم يأت زيدا. تريد: ومن لم يأت زيدا، فيكتفي باختلاف الأفعال من إعادة (من)، كأنه قال: أمن يهجو، ومن يمدحه، ومن ينصره. ومنه قول الله ﷿: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [سورة الرعد: ١٠] (٥).


(١) انظر: شرح أبيات سيبويه: السيرافي (١/ ٤١).
(٢) انظر: جامع البيان: الطبري (١٨/ ٣٧٨).
(٣) انظر: الهداية: مكي بن أبي طالب (٩/ ٥٦١٤، ٥٦١٥).
(٤) تقدم إيراد هذا البيت في مسألة رقم: (١٣٤) ص: (٨٠٢).
(٥) انظر: جامع البيان: الطبري (١٨/ ٣٧٨)، وانظر: الكشف والبيان: الثعلبي (٢١/ ٣١)، وانظر: البسيط: الواحدي (١٧/ ٥٠٩، ٥١٠)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٦/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>