ولذلك كان تعقب العلماء بعضهم على البعض الآخر سنة ماضية منذ عهد أصحاب رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا، وها هي أم المؤمنين عائشة ﵂، تستدرك على بعض أصحاب رسول الله ﷺ في مواطن متعددة، جمعها الزركشي (١) في كتابه القيِّم: (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)(٢)، وتلاه السيوطي في كتابه القيِّم كذلك:(عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة)(٣).
والناظر في تعقبات القاسمي ﵀ على من سبقه، يجد فيها قيمة علمية جلية، تُعَبر عن رفعة قدره وغزارة علمه في شتى الفنون من العلوم الشرعية واللغوية، وهذه القيمة العلمية تبرز فيما يلي:
أولا: أن في تعقب القاسمي على من سبقه، بيان للخطأ والزلل الذي وقع فيه ذلك العَلَم المُتَعقب عليه، وهذا من أمانة الدين وأمانة العلم، التي هي أولى وأعظم من أمانة المال.
ومما يُبين أهمية حفظ العلم وأمانته ما روي عن بعض السلف من آثار تدل على حفظ أمانة الدين والعلم، منها على سبيل التمثيل: ما روي عن أبي سعيد (٤) أنه قال: كان أبو بكر (٥) ضعيفاً في التصريف والنحو خاصة، وفي كتاب (الجمهرة) خلل كثير، قلنا له: فلو فصلت بالبيان عن هذا الخلل وفتحت لنا باباً من العلم فقال: نحن إلى ستر زلات العلماء أحوج منا إلى كشفها، وانتهى الكلام.
(١) وهو: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، بدر الدين، فقيه شافعي، أصولي، مفسر، أديب، تركي الأصل، سمع بحلب وبدمشق، ودرس وأفتى، من مصنفاته: البرهان في علوم القرآن، مات سنة ٧٩٤ هـ. ينظر: معجم المفسرين: عادل نويهض (٢/ ٥٠٥). (٢) طبع الكتاب بتحقيق وتخريج: د رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي (القاهرة)، ١٤٢١ هـ. (٣) طبع الكتاب بتحقيق عبد الله محمد الدرويش، مكتبة العلم (القاهرة)، ١٤٠٩ هـ. (٤) وهو: يوسف ابن الشيخ أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي النحوي، أبو محمد، كان إخباريا، لغويا، علامة، عارفا بالعربية معرفة جيدة، تصدر في مجلس أبيه بعد موته، مات سنة ٣٨٥ هـ. ينظر: تاريخ الإسلام: الذهبي (٨/ ٥٨٧). (٥) وهو: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، كان رأسا في الأدب، وكان شاعرا مجيدا نحويا مطلعا يضرب بحفظه المثل وكان يقال: هو أشعر العلماء وأعلم الشعراء، مات سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة. ينظر: لسان الميزان: ابن حجر (٧/ ٧٩).