فقد ذكر الله تعالى البشارة لمن اهتدى والانذار لمن ضل، ثم أعقب ذلك بأمر النبي بالحمد، وهو كما قال الله تعالى في آية النمل بعد هلاك الضالين: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾.
قال أبو حيان:"ولفظة ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ تشعر بوقوع الهلاك بهم بقوله: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ "(١).
وبناء على تلك النظائر، تُحمل آية النمل بنظائرها على آية الأنعام.
الثاني: من حيث السياق ومناسبة الآيات لما قبلها: وذلك أن الخطاب للرسول الله ﷺ بأن يحمد الله تعالى على هلاك كفار الأمم الخالية، فلما استوفى غرض الاعتبار والإنذار حقه بذكر عواقب بعض الأمم التي كذبت الرسل وهي أشبه أحوالا بأحوال المكذبين بمحمد ﷺ وبالكتاب الذي أنزل عليه، وفي خلال ذلك وحفافيه تسلية النبيء ﷺ على ما يلقاه من قومه، أقبل الله بالخطاب إلى الرسول ﷺ يلقنه ماذا يقوله عقب القصص والمواعظ السالفة استخلاصا واستنتاجا منها، وشكر الله على المقصود منها.
فالكلام استئناف والمناسبة ما عَلِمْت. أُمِرَ الرسول ﷺ بالحمد على ما احتوت عليه القصص السابقة من نجاة الرسل من العذاب الحال بقومهم وعلى ما أعقبهم الله على صبرهم من النصر ورفعة الدرجات (٢).
(١) البحر المحيط: أبو حيان (١٨/ ٣٣٤). (٢) انظر: بحر العلوم: السمرقندي (٢/ ٥٨٨)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٦/ ١٧١)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٦/ ١٨٩)، وانظر: روح المعاني: الآلوسي (٢٠/ ١٩، ٢٠) التحرير والتنوير: ابن عاشور (٢٠/ ٦).