ذهب أصحاب القول الثاني إلى أن سورة يس مكية إلا قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ فهو من المدني.
واستدلوا على ذلك بحديث أبي سعيد الخدري ﵁ قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا النُقلَةَ إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ فقال رسول الله ﷺ: «إن آثاركم تكتب فلا تنتقلوا»(١).
والجواب عن هذا الاستدلال من أوجه:
الوجه الأول: أن أهل العلم اختلفوا في قبول الحديث، فمنهم من ذهب إلى أن الحديث حسن ومقبول كما تقدم عند الترمذي، ومنهم من رده ولم يعتبره سبب لنزول الآية:
قال ابن كثير بعد ذكر حديث أبي سعيد:(وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة بكمالها مكية فاللَّه أعلم)(٢).
وقال ابن عاشور:"وتوهم راوي الحديث عن الترمذي أن هذه الآية نزلت في ذلك، وسياق الآية يخالفه، ومكيتها تنافيه"(٣).
الوجه الثاني: يحتمل أن تكون الآية نزلت بمكة ولكن الله تعالى احتج بها عليهم في المدينة، ووافقها قول النبي ﷺ في المعنى، والله أعلم (٤).
الوجه الثالث: أن سياق الآيات قبلها يدل على أن الآية تُخاطب كفار قريش،
(١) أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة يس، برقم: (٣٢٢٦)، وقال: «هذا حديث حسن غريب»، وقال الألباني: حديث صحيح. (٢) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٦/ ٣٣١). (٣) التحرير والتنوير: ابن عاشور (٢٢/ ٣٥٦). (٤) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٨/ ١٧٣)، وانظر: أحكام القرآن: ابن الفرس (٣/ ٤٤٨) وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٧/ ٤٠٣).