الثاني: أن الربا، على ما ذكر، مجاز. والأصل في الإطلاق الحقيقة، إلا لصارف يرشد إليه دليل الشرع، أو العقل. ولا واحد منهما هنا، إذ لا موجب له (١).
والجواب: وإن كان الأصل الحقيقة، إلا أن أقوال عامة السلف في الآية، وظاهر الآية الذي تقدم بيانه، يدل على أن المعنى الحقيقي هو الزيادة في رأس المال، أو الاستزادة المرجوة من العطايا والهدايا.
ويُحتمل أن القائلين بأن الربا مجاز عن الزيادة يُريدون ما تُجيزه اللغة من معنى الربا بأنه: الزيادة، والله أعلم.
الثالث: دعوى أن الهبة المذكورة مباحة، لا بأس بها بعد كونها هي المرادة من الآية- بعيدة غاية البعد. لأن في أسلوبها من الترهيب والتحذير ما يجعلها في مصافّ المحرمات. ودلالة الأسلوب من أدلة التنزيل القوية، كما تقرر في موضعه (٢).
والجواب: ليس في ظاهر الآية الترهيب من الربا مما يجعله في مصاف المحرّمات، بل ظاهرها هو الإرشاد والتوجيه بأن ما تهبونه من العطايا والهدايا ابتغاء عرض الدنيا، ليرد الآخذ على المعطي أكثر مما أخذ منه، ليس فيه ثواب من عند الله، وبركته مرتفعة، وإنما الثواب في إيتاء الزكاة ابتغاء وجه الله، ولذلك قال في مقابلته: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾، والله أعلم (٣).
الرابع: زعم أن المنهيّ عنه هو الحضرة النبوية خاصة، لا دليل عليه إلّا ظاهر الخطاب. وليس قاطعا.
لأن اختصاص الخطاب لا يوجب اختصاص الحكم على التحقيق. لا يقال الأصل وجوب حمل اللفظ على حقيقته، وحمله على المجاز لا يكون إلا بدليل (٤)، وكذا ما يقال إن
(١) محاسن التأويل: القاسمي (١٣/ ٤٧٨٢). (٢) محاسن التأويل: القاسمي (١٣/ ٤٧٨٢). (٣) انظر: بصائر ذوي التمييز: الفيروز آبادي (٣/ ٣٤). (٤) يريد القاسمي بمن قال بالمجاز في تفسير الآية: البغوي. ينظر: معالم التنزيل (٨/ ٢٦٥).