للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وإلا فما عساه إن وقف على ما أخرجه القاضي أبي يعلى بإسناده عن ابن عمر عن النبي في قوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ قال: يُجلسه معه على السرير (١)، دون أن يتثبت في صحة إسناده، فهل سيصف قول النبي مثل ما وصف قول مجاهد؟!

الثاني: أن الواحدي ذكر أوجهًا لبطلان قول من قال بأن المراد من قوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ بقعود النبي على العرش:

الوجه الأول: أن البعث ضد الإجلاس يقال بعثت النازل والقاعد فانبعث ويقال بعث الله الميت أي أقامه من قبره فتفسير البعث بالإجلاس تفسير للضد بالضد وهو فاسد.

والوجه الثاني: أنه تعالى قال مقاما محمودا ولم يقل مقعدا والمقام موضع القيام لا موضع القعود.

والوجه الثالث: لو كان تعالى جالسا على العرش بحيث يجلس عنده محمد لكان محدودا متناهيا ومن كان كذلك فهو محدث.

والوجه الرابع: يقال إن جلوسه مع الله على العرش ليس فيه كثير إعزاز لأن هؤلاء الجهال والحمقى يقولون في كل أهل الجنة إنهم يزورون الله تعالى وإنهم يجلسون معه وإنه تعالى يسألهم عن أحوالهم التي كانوا فيها في الدنيا وإذا كانت هذه الحالة حاصلة عندهم لكل المؤمنين لم يكن لتخصيص محمد بها مزيد شرف ورتبة.

والوجه الخامس: أنه إذا قيل السلطان بعث فلانا فهم منه أنه أرسله إلى قوم لإصلاح مهماتهم ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه فثبت أن هذا القول كلام رذل ساقط لا يميل إليه إلا إنسان قليل العقل عديم الدين والله أعلم (٢).


(١) أخرجه القاضي أبي يعلى في إبطال التأويلات (ص: ٥١٦)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن مردويه والديلمي (٥/ ٣٢٦، ٣٢٨)، وقد نص ابن تيمية على أن الأحاديث المرفوعة الواردة في قعود النبي على العرش كلها واهية وموضوعة. ينظر: درء تعارض العقل والنقل (٥/ ٢٣٧).
(٢) انظر: التفسير البسيط: الواحدي (١٣/ ٤٤٥ - ٤٤٧)، وانظر: مفاتيح الغيب: الرازي (٢١/ ٣٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>