وهذه الأوجه أجاب عنها القاسمي ﵀ فقال:"لك أن تجيب أيضا عن إيرادات الواحديّ الخمسة، التي أفسد بها قول مجاهد.
أما جواب إيراده الأول: فإن مجاهدا لم يفسر مادة البعث وحدها بالاجلاس. وإنما فسر بعثه المقام المحمود بما ذكر.
وعن الثاني: بأن المقام هو المنزلة والقدرة والرفعة، معروف ذلك في اللغة.
وعن الثالث: بدفع اللازم المذكور، لأنه كما اتفق على أن له ذاتا لا تماثلها الذوات فكذلك كل ما يوصف به مما ورد في الكتاب والآثار، فإنه لا يماثل الصفات.
ولا يجوز قياس الخالق على المخلوق.
وعن الرابع: بأنه مكابرة. إذ كل أحد يعرف- في الشاهد- لو أن ملكا استدعى جماعة للحضور لديه، ورفع أفضلهم على عرشه، أن المرفوع ذو مقام يفوق به الكل.
وعن الخامس: بأنه من واد آخر غير ما نحن فيه، إذ لا بعث لإصلاح المهمات في الآخرة، وإنما معنى الآية: إنه يرفعك مقاما محمودا. وذلك يصدق على ما قاله مجاهد وما قال الأكثر. فتأمل وأنصف" (١).
الثالث: احتج القاسمي ﵀ لما ذهب إليه بقول ابن جرير الطبري المتقدم، ولا يسع المقام إلى إيراده بطوله، والعجيب أن الطبري -مع ترجيحه لقول الجمهور- لم يستنكر هذا القول، بل قال: إن ما قاله مجاهد قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله ﷺ ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك (٢).
وقوله مردود من وجهين:
الوجه الأول: أن عدم ورود الخبر عن المعصوم بذلك يكفي لإبطال هذا القول لا العكس، ولأن هذا الخبر من الأخبار الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالنص، ولا نص هنا