مناقشة ما أورده الفخر الرازي في تفسير الآية، وما رمى به أهل السنة من وصفهم بالمُشَبّهة:
من المعلوم أن الرازي عفا الله عنه ومن معه من الأشاعرة وأهل البدع، لا يُثبتون علو الله تعالى بذاته، وأنه تعالى يمتنع كونه حاصلا في المكان والجهة. وهذا لا شك بأنه خلاف ما عليه أهل السنة من إثبات علو الله تعالى بذاته.
وفي تفسير هذه الآية ذكر الرازي عفا الله عنه بعضًا من الأوجه أو الشبه التي تؤيد ما ذهب إليه، ومن اللازم إيرادها والجواب عن كل وجه منها:
الشبهة الأولى: قوله: "أنه تعالى قال: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [سورة الحديد: ٤] ولا شك أن هذه المعية بالفضل والرحمة لا بالجهة فكذا هاهنا، وأيضا جاء في الأخبار الربانية أنه تعالى قال:«أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي» ولا خلاف أن هذه العندية ليست لأجل المكان والجهة، فكذا هنا"(١).
والجواب: أن هذا من الخلط الذي وقع فيه الرازي ﵀، وقياسه معنى المعية في آية الحديد على معنى العندية في آية الأعراف، لاختلاف السياق في كل من آية الحديد وآية الأعراف.
فآية الحديد: يخبر الله تعالى أنه مع عباده بعلمه وفضله، كما في الآية: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ فدل على أن المراد: معية العلم والفضل، فالله تعالى معنا بعلمه وفضله ورحمته في كل مكان.
وأما آية الأعراف: فإن الله تعالى يخبر أن الملائكة الذين عنده يسبحون بحمده، وهذه العندية كما هو ظاهر أنها عندية المكان إذا لو كانت غير ذلك لم يكن لاختصاص ذكرهم معنى كما تقدم، ففرق بين المعية والعندية، فالمعية أعم والعندية أخص، فتأمل.