أو يقال: أن كثيرا من الجن والإنس أيضًا ممن لا يستكبر عن عبادته، فلم خُص الملائكة بالعندية؟!.
الثاني: ورود الأحاديث الصحيحة باختصاص بعض المخلوقات أنها عنده وأن بعضها أقرب إليه من بعض، مما يدل على أن العندية لهذه الأشياء تدل على إثبات علو الله تعالى على خلقه.
ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:«لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي»(١). فالتصريح بأنها عنده دليل على صفة العلو كما هو ظاهر (٢).
الثالث: أن العندية في حقيقتها لا تنقسم، فالعندية عندية ذات، ولا يُقال أن هناك عندية قهر، وقد أجمع المفسرون أن المقصود بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ أنهم الملائكة، وعندية الملائكة عند ربهم عندية ارتفاع وعلو، ولوازمها القرب والمكانة، كما قال تعالى عن الشهداء ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (٣).
وأبان ابن القيم ﵀ في نونيته هذه العندية أوضح بيان بقوله:
(١) أخرجه البخاري، كتاب بدأ الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده﴾، برقم: (٣١٩٤). (٢) انظر: شرح الطحاوية: ابن أبي العز (ص: ٢٦٥). (٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٩/ ٤٣٥)، وانظر: إتحاف المسائل شرح الطحاوية: صالح آل الشيخ: (ص: ٢٨٧)، وانظر: المفسرون بين التأويل والإثبات: المغراوي (١/ ٤٠٠)، وانظر: مجلة البحوث الإسلامية (٧١/ ١٣٤). (٤) الكافية الشافية: ابن القيم (ص: ٧٩).