للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الشبهة الثانية: قوله: "أن المراد القرب بالشرف. يقال: للوزير قربة عظيمة من الأمير، وليس المراد منه القرب بالجهة، لأن البواب والفراش يكون أقرب إلى الملك في الجهة والحيز والمكان من الوزير، فعلمنا أن القرب المعتبر هو القرب بالشرف لا القرب بالجهة" (١).

والجواب: أن القرب إذا أطلق فإنه يعم القرب في المكان والجهة، وأيضًا في الشرف والمنزلة، بحسب السياق، فلا يقتصر على الشرف والمنزلة، وكذا العندية فعلى التسليم بجواز حملها على معنى القرب في المكانة، فإن هذا لا ينفي أن تُحمل على معنى المكان، فتون شاملة للمعنيين معًا، لا أحداهما دون الآخر.

فيكون المعنى: أن الملائكة قريبون من الرب بمنزلتهم وشرفهم، وهم أيضًا قريبون من الرب من حيث أنهم في جهة العلو، لاختصاصهم بهذه العندية دون غيرهم، فمنهم من يُسبح بحمده، ومنهم من يحمل العرش.

الشبهة الثالثة: قوله: "أن هذا تشريف للملائكة بإضافتهم إلى الله من حيث إنه أسكنهم في المكان الذي كرمه وشرفه وجعله منزل الأنوار ومصعد الأرواح والطاعات والكرامات" (٢).

والجواب: على التسليم بهذا التأويل، فإنه لا يلزم منه نفي عندية المكان، فإضافة الملائكة إلى الله تعالى، تقتضي القرب في المكان، والتشريف كذلك.

وأيضًا: لو كان العند في قوله تعالى: ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ تقتضي إضافة التشريف دون المكان، فما عسى القول في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [سورة السجدة: ١٢] أيُقال إنها إضافة تشريف، أم يُقال أن المراد من العند المكان؟!، ولا شك أن الجواب: الثاني.

الشبهة الرابعة: قوله: "إنما قال تعالى في صفة الملائكة: ﴿الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ لأنهم رسل الله إلى الخلق كما يقال: إن عند الخليفة جيشا عظيما، وإن كانوا متفرقين في البلد،


(١) مفاتيح الغيب: الرازي (١٥/ ٤٤٥).
(٢) مفاتيح الغيب: الرازي (١٥/ ٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>