مناقشة دليل من قال بأن السعي بين الصفا والمروة سُنة وليس بواجب:
استدل من قال بعدم وجوب السعي بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾، ولا شك أن هذا لا حجة فيه كما قال القاسمي ﵀، لأن التطوع المذكور في الآية ليس فيه دلالة على أن السعي سُنة، وذلك من وجهين:
الأول: أن المراد: من تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه.
قال ابن جرير:" معنى ذلك: ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه، فإن الله شاكر له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه فمجازيه به، عليم بما قصد وأراد بتطوعه بما تطوع به.
وإنما قلنا: إن الصواب في معنى قوله: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ [سورة البقرة: ١٨٤] هو ما وصفنا دون قول من زعم أنه معني به: فمن تطوع بالسعي والطواف بين الصفا، والمروة؛ لأن الساعي بينهما لا يكون متطوعا بالسعي بينهما إلا في حج تطوع أو عمرة تطوع لما وصفنا قبل (١)؛ وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أنه إنما عنى بالتطوع بذلك التطوع بما يعمل ذلك فيه من حج أو عمرة.
وأما الذين زعموا أن الطواف بهما تطوع لا واجب، فإن الصواب أن يكون تأويل ذلك على قولهم: فمن تطوع بالطواف بهما فإن الله شاكر؛ لأن للحاج والمعتمر على قولهم الطواف بهما إن شاء وترك الطواف، فيكون معنى الكلام على تأويلهم: فمن تطوع بالطواف بالصفا، والمروة، فإن الله شاكر تطوعه ذلك عليم بما أراد ونوى الطائف بهما كذلك" (٢).
ونقل الحافظ ابن حجر عن الطحاوي (٣) أنه قال: "لا حجة لمن قال إن السعي مستحب بقوله ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة لا إلى خصوص السعي
(١) انظر ما قرره ابن جرير الطبري في وجوب السعي بين الصفا والمروة (٢/ ٧٢٤). (٢) جامع البيان: الطبري (٢/ ٧٢٨). (٣) وهو: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة المصري الطحاوي، الحنفي، الإمام، العلامة، الحافظ الكبير، محدث الديار المصرية وفقيهها، صاحب التصانيف، برز في علم الحديث وفي الفقه، مات سنة ٣٢١ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: الذهبي (١٥/ ٢٨).