للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قلت لعائشة زوج النبي : "ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا، وما أبالي ألا أطوف بينهما، قالت: بئس ما قلت، يا ابن أختي! طاف رسول الله ، وطاف المسلمون؛ فكانت سنة، وإنما كان من أهل لمناة الطاغية، التي بالمشلل (١)، لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سألنا النبي عن ذلك؟ فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [سورة البقرة: ١٥٨]. ولو كانت كما تقول، لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما" (٢).

قال القاسمي: "وجواب عائشة، ، لعروة هو من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ. لأن الآية الكريمة إنما دل لفظها على رفع الجناح عمن يطوف بهما، وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي ولا على وجوبه. ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾، أي: من فعل خيرا فإن الله يشكره عليه ويثيبه به. ومعنى (تطوع) أتى بما في طوعه أو بالطاعة، وإطلاقه على ما لا يجب عرف فقهي لا لغوي" (٣).

فالآية لا حجة فيها على القول بأن السعي سُنة وليس بواجب، لأن المراد من التطوع: الازدياد في الخير والطاعة، ولفظ التطوع ليس مخصوص بالمستحب لأن تخصيص التطوع بالمستحب اصطلاح عند الفقهاء، وليس اصطلاح لغوي تدل عليه الآية.

وقد وُجد من المفسرين من قال بأن إطلاق التطوع على الازدياد في الخير والطاعة اصطلاح فقهي، بخلاف ما ذهب إليه القاسمي .

قال أبو زهرة (٤): " التطوع المبالغة في الطاعة فيما أمر الله تعالى به من فرض وواجب


(١) المشلل: موضع بقُدَيْد من ناحية البحر، وهو الجبل الذي يهبط إليها منه. ينظر: فتح الباري: ابن حجر (١/ ١٨٨).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الحج، أبواب العمرة، باب: يفعل في العمرة ما يفعل في الحج، برقم: (١٧٩٠)، وأخرجه مسلم، كتاب الحج، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به، برقم: (٩٢٨).
(٣) محاسن التأويل: القاسمي (٣/ ٣٤٦).
(٤) وهو: محمد بن أحمد أبو زهرة، أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره، له تواريخ مفصلة ودراسة فقهية أصولية للأئمة الأربعة، فأخرج لكل إمام كتابا ضخما: أبو حنيفة، مالك، الشافعيّ، ابن حنبل، مات سنة ١٣٩٤ هـ. ينظر: الأعلام: الزركلي (٦/ ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>