دار الدنيا، لأنه أخبر أنه لا يرى والخبر واجب الصدق وكما أخبر أنه لا يرى في دار الدنيا فقد وعد الوعد الصادق ﷿ برؤيته في الدار الآخرة وتخصيص ذلك بالمؤمنين، وبعد استقرار هذا المعتقد طلب بنو إسرائيل الرؤية في الدنيا تعنتاً أو شكاً في الخبر، فأنزل اللَّه -تعالى- بهم تلك العقوبة. وكيف تخيل الزمخشري وشيعته أن موسى ﵇ طلب من اللَّه ما لا يجوز عليه. وهل هو لو كان الأمر على ما تخيل إلا كبني إسرائيل. ومعاذ اللَّه، لقد برأه من ذلك وكان عند اللَّه وجيها.
وأما الأدلة العقلية على جواز رؤيته -تعالى- عقلا والسمعية على وقوعها في الدار الآخرة، فأكثر من أن تحصى وهي مستقصاه في فن الكلام. وإنما غرضنا في هذا الباب مباحثة الزمخشري والرد عليه من حيث يتمسك على ظنه وأخذه قوما منه. واللَّه الموفق" (١).
قال الآلوسي (٢): "وقد استدل المعتزلة وطوائف من المبتدعة بهذه الآية على استحالة رؤية الباري-﷾؛ لأنها لو كانت ممكنة لما أخذتهم الصاعقة بطلبها، والجواب أن أخذ الصاعقة لهم ليس لمجرد الطلب ولكن لما انضم إليه من التعنت وفرط العناد كما يدل عليه مساق الكلام حيث علقوا الإيمان بها، ويجوز أيضا أن يكون ذلك الأخذ لكفرهم بإعطاء الله تعالى التوراة لموسى ﵇ وكلامه إياه أو نبوته لا لطلبهم.
وقد يقال: إنهم لما لم يكونوا متأهلين لرؤية الحق في هذه النشأة كان طلبهم لها ظلما فعوقبوا بما عوقبوا، وليس في ذلك دليل على امتناعها مطلقا في الدنيا والآخرة" (٣).
وأما عن قول القاضي عبد الجبار من أن المراد من الإدراك في قوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ هو رؤية البصر، بمعنى لا تراه الأبصار.
فالجواب عليه من أوجه:
الأول: أن تفسيره مخالف لنظائر الآية التي تدل على أن المراد من الإدراك: الإحاطة.
(١) الكشاف: الزمخشري مذيل بحاشية (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف) لابن المنير (١/ ١٤١). (٢) وهو: الشيخ شهاب الدين محمود بن السيد عبد الله الألوسي البغدادي، خاتمة المفسرين ونخبة المحدثين، كان يقول الحق ولا يحيد عن الصدق، متمسكاً بالسنن متجنباً عن الفتن، مات سنة ١٢٧٠ هـ. ينظر: حلية البشر: البيطار (ص: ١٤٥١، ١٤٥٠) (٣) روح المعاني: الآلوسي (٢/ ١٨١).