قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [سورة الشعراء: ٦١] وليس المراد من الإدراك في الآية مجرد الرؤية، فأن الشيء قد يرى الشيء ولا يدركه.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [سورة البقرة: ٢٥٥] فكما جاز أن يعلم الخلق أشياء ولا يحيطون بها علما، كذلك جائز أن يروا ربهم بأبصارهم ولا يدركوه بأبصارهم، إذ كان معنى الرؤية غير معنى الإدراك، ومعنى الإدراك غير معنى الرؤية، وأن معنى الإدراك: إنما هو الإحاطة (١).
الثاني: أن تفسيره مُخالف لما عليه بعض السلف من أن المراد بالإدراك: الإحاطة. وليس مجرد الرؤية (٢).
الثالث: أن تفسيره مُخالفٌ للدلالة اللغوية من لفظ الإدراك، فالمراد من الإدراك في اللغة: بلوغ الشيء مبلغه ومن ذلك الإحاطة.
قال السمين: "يقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر ليدرك الماء درك، ولما يلحق الإنسان من تبعةٍ درك كالدرك في البيع. قال تعالى: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧)﴾ [سورة طه: ٧٧]، أي: تبعًة. وأدرك: بلغ أقصى الشيء، وأدرك الصبي: بلغ غاية الصبا، وذلك حين البلوغ، قال: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ﴾ [سورة يونس: ٩٠]، وقوله: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ (٣).
الرابع: في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ دلالة على أن الإدراك لا يراد به هنا مجرد الرؤية، إذ لو كان مجرد الرؤية، لم يكن له تعالى بذلك اختصاص ولا تمدُّح، لأنا نحن نرى الأبصار، فدل على أن معنى الإدراك الإحاطة بحقيقة الشيء، فهو تعالى لا تحيط بحقيقته
(١) انظر: جامع البيان: الطبري (٩/ ٤٥٩). (٢) روي عن ابن عباس، وقتادة، وعطية العوفي، وعكرمة من أن المراد بالإدراك: الإحاطة. ينظر: جامع البيان: الطبري (٩/ ٤٥٩) وينظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤/ ١٣٦٣). (٣) عمدة الحفاظ: السمين الحلبي (٢/ ١٠).