للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأما شبهة المعتزلة التي ألقاها الزمخشري بنفي الرؤية في تفسيره للآية، فالجواب عليها من وجهين:

الوجه الأول: أن لفظ التجسيم من البدع اللفظية عند المعتزلة وغيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الكلام في وصف الله بالجسم نفياً وإثباتاً بدعة لم يقل به أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن الله ليس بجسم كما لم يقولوا: إن الله جسم؛ بل من أطلق أحد اللفظين استفصل عما أراد بذلك، فإن في لفظ الجسم بين الناطقين به نزاعاً كثيراً، فإن أراد تنزيهه عن معنى يجب تنزيهه عنه مثل أن ينزهه عن مماثلة المخلوقات فهذا حق. ولا ريب أن من جعل الرب جسماً من جنس المخلوقات فهو أعظم من المبتدعة ضلالاً؛ دع من يقول منهم: إنه لحم ودم ونحو ذلك من الضلالات المنقول عنهم. إلى أن قال -رحمه الله تعالى-: وهكذا مثبت لفظ الجسم إن أراد بإثباته ما جاءت به النصوص صوبنا معناه ومنعناه من الألفاظ المجملة، وإن أراد بلفظ الجسم ما يجب تنزيه الرب عنه من مماثلة المخلوقات رددنا ذلك عليه وبينا ضلاله وإفكه … انتهى (١).

الوجه الثاني: أن سبب العقوبة التي حلت ببني إسرائيل هي التعنت والشك في الخبر الذي أخبرهم به موسى من أن الله -تعالى- رؤيته غير ممكنة في الدنيا، وليس طلب مالا يجوز.

قال ابن المنير مُعقِّبًا على الزمخشري: "لقد انتهز الزمخشري ما اعتقده فرصة من هذه الآية التي لا مطمع له عند التحقيق في التشبث بها، فبنى الأمر على أن العقوبة سببها طلب ما لا يجوز على اللَّه -تعالى- من الرؤية على ظنه، وأنى له ذلك وثم سبب ظاهر في العقوبة سوى ما ادعاه هو كل السبب. وذلك أن موسى لما علم جواز رؤيته تعالى طلبها في آية الأعراف في دار الدنيا، فأخبره اللَّه -تعالى- أنه لا يراه في الدنيا، وصار ذلك عنده وعند بنى إسرائيل أصلاً مقرراً، كما هو عندنا الآن معاشر أهل السنة أن اللَّه -تعالى- لا يرى في


(١) الفتاوى الكبرى: ابن تيمية (٦/ ٥٤٧) مختصرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>