وهو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من أن معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ أي: إلا أن تقول معه (إن شاء الله)، وذلك من وجهين:
الأول: سياق الآية الذي يدل على هذا المعنى وهو في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ والمعنى: واستثن في يمينك إذا ذكرت أنك نسيت ذلك في حال اليمين، يعني: أن تقول: "إن شاء الله" وهذا تفسير باللازم، وإلى هذا المعنى ذهب جمع من السلف كابن عباس، ومجاهد وأبي العالية، والحسن (١)، وبعدهم جمع من المفسرين (٢)، ولعل هذا المعنى هو الأظهر لحمل الآية عليه، والله أعلم.
الثاني: أن لهذا المعنى - وهو الاستثناء بقول: إن شاء الله- له شاهد من السنة: فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة ﵁ أن النَّبيّ ﷺ قال: "قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعا، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وايم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون"(٣).
والشاهد: أن الآية دلت على أن الله عاتب نبيه سليمان على عدم قوله: إن شاء الله، كما عاتب نبيه في هذه الآية على ذلك (٤)، ومثل هذا الشاهد يورده جمع من المفسرين في تفسير الآية (٥).
(١) أخرج أقوالهم ابن جرير الطبري في تفسيره (١٥/ ٢٢٥، ٢٢٦)، وانظر: الكشف والبيان: الثعلبي (١٧/ ٩٦)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٥/ ١٦٢)، وانظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٥/ ١٤٩). (٢) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٦/ ٣٤٨)، وانظر: مدارك التنزيل: النسفي (٢/ ٢٩٦)، وانظر: فتح الرحمن: العليمي (٤/ ١٦٦)، وانظر: روح المعاني: الآلوسي (١٥/ ٢٨٤)، وانظر: أضواء البيان: الشنقيطي (٤/ ١٠٢). (٣) أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي ﷺ، برقم: (٦٦٣٩). وأخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: الاستثناء، برقم: (١٦٥٤). (٤) انظر: أضواء البيان: الشنقيطي (٤/ ١٠٠). (٥) انظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٥/ ١٤٩)، أضواء البيان: الشنقيطي (٤/ ١٠٠).