للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ومنها: أن المعنى لا تقولن ذلك قاطعا بفعله وباتّا له. لأنه: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [سورة لقمان: ٣٤]، فلا ينبغي الجزم والبت على فعل أمر مستقبل مجهول كونه. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ أي أن تقول ذلك القول البات نسيانا فحينئذ ارجع إلى ربك بذكره. ولذا قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ وعلى هذه الوجوه كلها فـ ﴿وَلَا تَقُولَنَّ﴾ نهي معطوف على النهيين قبله.

ومنها: أن المعنى لا تقولن ذلك إلا أن يشاء الله أن تقول هذا القول. والجملة خبرية قصد بها الإخبار عن سبق مشيئته تعالى لكل ما يعزم عليه ويقوله. كقوله تعالى ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [سورة الإنسان: ٣٠] وهذا المعنى هو الظاهر ببادئ الرأي كما قاله في (الانتصاف) (١).

ثم قال القاسمي منتصرا لهذا القول: "وفي هذا المعنى تلويح بأنه صلوات الله عليه كان هم بأمر ما في نبأ هؤلاء الفتية، وعزم على أمر في غد المحاورة به. ولعله الاستفتاء عنهم. فلما نهى عنه أخبر بأن كل شيء كائن بمشيئته تعالى، ليدخل فيه ما كان قاله دخولا أوليا. أي ما قلته وعزمت على فعله كان بمشيئة الله، إذ شاء الله أن تقوله. فالآية بمثابة العناية به والتلطيف بالخطاب، إثر ما يومئ إليه النهي إليها من رقيق العتاب ولذلك اعترضت بين سابق النهي عن استفتائهم، ولا حق الأمر بذكره تعالى إذا نسي، أي نسي ما وصي به. وبما ذكرنا يعلم أن هذا المعنى له وجه وجيه" (٢).

وما ذهب إليه القاسمي من احتمال هذه الوجوه صحيح، إذ لا تعارض بينها، وإذا أمكن حمل الآية على جميع تلك الأوجه فتُحمل عليها، وقد تقدم تقرير القاعدة عند أهل العلم وهي أنه: "إذا احتمل اللفظ معاني عدة ولم يمتنع إرادة الجمع، حمل عليها" (٣).

إلا أنه يُمكن تقديم الوجه الثاني الذي أورده القاسمي على غيره من الأوجه


(١) محاسن التأويل: القاسمي (١١/ ٤٠٤٤).
(٢) محاسن التأويل: القاسمي (١١/ ٤٠٤٥).
(٣) انظر ما تقدم تقريره في هذه القاعدة في مسألة (٨٧) ص: (٥٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>