للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

معنى المجيء، وإن كان الإتيان معناه المجيء في اللغة (١).

وذلك أن المجيء أعم من الإتيان، فالإتيان مجيء بسهولة، ويكون في بداية المجيء زمانيا أو مكانيا، وقد لا يتم فلا يكون مجيئا.

والمجيء أيضًا يدل على الحدوث الفعلي، المحقق الواقع، معلوم التفاصيل، حدوث تقابل وتفاعل وحوار ومشاهدة وتأثير، بينما الاتيان يدل على الحدوث المستقبلي، المتوقع أو المطلوب ولما يقع بعد، أو الماضي مبهم التفاصيل.

ومثال ذلك: قوله تعالى حكاية عن بني إسرائيل: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [سورة الأعراف: ١٢٩]، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ﴾ [سورة يوسف: ٥٠] (٢).

فدل هذا الفرق على أن المراد من قوله تعالى: ﴿يَأْتِ بَصِيرًا﴾ أي يصير بصيرا، لأن هذه الصيرورة كانت في بداية المجيء، ولم يتحقق المجيء إلى مصر ليوسف ، حتى يكون المعنى: يجيء إليَّ بصيرا.

وأيضًا: أن إخبار يوسف بإتيان البصر لأبيه، المقصود به الإخبار بحدوث مستقبلي، ومما يُتوقع حصوله، وهو مما يدل على أن الأولى هو حمل اللفظ على معنى الإتيان، وليس المجيء، والله أعلم.

الثاني: أن السبب من طلب يوسف من إخوته أن يلقوا القميص على وجه أبيهم، المفاجأة بالبشرى، فُصبح بصيرا على الفور، ويمتلئ قلبه فرحا بخبر ابنه يوسف ، وهذا هو المقصد من إلقاء القميص على وجهه، ولهذا سُمي يهوذا الذي ألقى القميص على وجه أبيه يعقوب بالبشير، وأما المجيء إلى يوسف فهو يأتي تبعًا


(١) انظر: مختار الصحاح: الرازي (ص: ١٣)، وانظر: لسان العرب: ابن منظور (١/ ٥١).
(٢) انظر: عمدة الحفاظ: السمين الحلبي (١/ ٣٦١)، وانظر: بصائر ذوي التمييز: الفيروز آبادي (٢/ ٤١٢)، وانظر: التوقيف على مهمات التعاريف: المناوي (ص: ٣٧)، وانظر: لمسات بيانية: فاضل السامرائي (ص: ١٠٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>