قلنا كما قال المقداد أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم، فأنزل الله ﷿ على رسوله: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ الحديث (١).
وأخرج ابن جرير الطبري بسنده عن السُدي قال:" أنزل الله في خروجه يعني خروج النبي ﷺ إلى بدر ومجادلتهم إياه، فقال: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ لطلب المشركين"(٢).
الثالث: من حيث سياق الآيات: فقد جاءت (الكاف) في قوله تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ﴾ للتشبيه، فقد شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم، فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي ﷺ، فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة، فتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم هاهنا للخروج، وحكم الله في النفل بأنه لله وللرسول دونهم هو بمثابة إخراجه نبيه ﷺ من بيته، ثم كانت الخيرة في القصتين فيما صنع الله (٣).
أو يقال: أن الله تعالى شبه إخراجَه من بيتِه مع كراهة قوم من المؤمنين لذلك بتنفيله ﵇ يوم بدر لسلبِ القاتل، وجعلِه لمن أتى بأسيرٍ كذى وكذى، وإنما فعل ذلك لقلة المسلمين يومئذ وكراهةِ كثير منهم القتال، وكره قوم منهم أن يكون لكل من قتلَ قتيلاً سلبُه، فقال الله لهم: ﴿قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، أي يضعُها حيث شاء، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٤/ ١٧٤) برقم: (٤٠٥٦)، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٧٤)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٢٠/ ٤٢٨) برقم: (٣٩٤٢٢)، وابن مردويه بسند حسن كما في تفسير ابن كثير (٤/ ١٦٠) الحاشية، وأورد بنحوه الألباني في السلسلة الصحيحة (٧/ ١٠٢٠): وقال: «سنده حسن». (٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره بسند حسن (١١/ ٣٤)، انظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٤/ ١٥٨) الحاشية. (٣) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٤/ ٥٠٥)، وانظر: مفاتيح الغيب: الرازي (١٥/ ٤٥٦)، وانظر: تفسير القرآن العظيم: السخاوي (١/ ٣١١)، وانظر: التسهيل: ابن جزي (١/ ٣٢٠).