للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقد نص بعض أهل العلم على ضعف هذه الرواية، كما يقول بن حزم : " وهذا الذي نسبوه إلى آدم من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة مكذوبة من تأليف من لا دين له ولا حياء لم يصح سندها قط" (١).

ويقول ابن العربي بعد إيراده بنحو من هذه الرواية: "ونحو هذا مذكور من ضعيف الحديث، في الترمذي وغيره. وفي الإسرائيليات كثير ليس لها ثبات، فلا يعول عليها من لم قلب، فإن آدم وحواء وإن غرهما بالله الغرور فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" (٢).

وأما من حيث الدراية: فقد وردت القصة بروايات أخرى وهي مردودة من أوجه:

الوجه الأول: أنه لو كانت هذه القصة في آدم وحواء; لكان حالهما إما أن يتوبا من الشرك أو يموتا عليه، فإن قلنا: ماتا عليه; كان ذلك أعظم من قول بعض الزنادقة:

إذا ما ذكرنا آدماً وفِعالَهُ … وتزويجهِ بنتيهِ لابنيهِ في الدنا

علمنا بأن الخلق من أصل ريبة … وأنَّ جميعَ الناس من عُنصر الزِّنا (٣).

فمن جوز موت أحد من الأنبياء على الشرك فقد أعظم الفرية، وإن كان تابا من الشرك; فلا يليق بحكمة الله وعدله ورحمته أن يذكر خطأهما ولا يذكر توبتهما منه، فيمتنع غاية الامتناع أن يذكر الله الخطيئة من آدم وحواء وقد تابا، ولم يذكر توبتهما، والله تعالى إذا ذكر خطيئة بعض أنبيائه ورسله ذكر توبتهم منها، كما في قصة آدم نفسه حين أكل من الشجرة وزوجه، وتابا من ذلك.

الوجه الثاني: أن الأنبياء معصومون من الشرك باتفاق العلماء.

الوجه الثالث: أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة، فيعتذر بأكله من الشجرة وهو معصية، ولو وقع منه الشرك; لكان اعتذاره به


(١) الفصل: ابن حزم (٤/ ٤)، وانظر: القول المفيد: العثيمين (٢/ ٣٠٨).
(٢) أحكام القرآن: ابن العربي (٢/ ٣٥٥)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٩/ ٤١٠)، وانظر: عمدة الحفاظ: السمين الحلبي (٢/ ٢٦٥)، وانظر: تفسير المنار: محمد رشيد رضا (٩/ ٤٣٥).
(٣) الشعر منسوب لأبي العلاء المعري، ينظر: معجم الأدباء: الحموي (١/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>