للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ويُقابلهم في ذلك أهل البدع من المعتزلة الذين ينفون رؤية الله تعالى يوم القيامة، وما ذلك إلا لفساد طريقتهم، في تحكيم العقول، ولي أعناق النصوص التي تُثبت الرؤية وتأويلها بمعانٍ تصرفها عن ظاهرها.

ومن ذلك أن أنهم أولوا قوله تعالى: ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ أي: اجعلني عالما بك علما ضروريا، وذلك لأنهم لو أوَّلوها على الحقيقة كتأويل أهل السنة، لكانت الآية حجة عليهم، إذ لا يُعقل أن يسأل موسى ربه مما لا يليق ولا يجوز، وما هو مستحيل، فعدلوا عن الحقيقة إلى طاغوت المجاز.

والجواب عن قولهم بأن المراد من قوله تعالى: ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ أي: اجعلني عالما بك علما ضروريا، من أوجه:

الأول: أن هذا التأويل مخالف للروايات الواردة عن جماعة من السلف في تأويل الآية، والتي تُفيد حقيقة النظر وهي رؤية الله تعالى في الدنيا التي طلبها موسى من ربه.

فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره عن السدي، قال: " إن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه، ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ .... إلخ" (١).

وأخرج أيضًا عن أبي بكر الهذلي (٢)، أنه قال: " لما تخلف موسى بعد الثلاثين، حتى سمع كلام الله اشتاق إلى النظر إليه، فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾ " (٣). وغير ذلك من الآثار.


(١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١٠/ ٤١٩)، وانظر: الهداية: مكي بن أبي طالب (٤/ ٢٥٤١).
(٢) وهو: سلمة بن عبد الله أبو بكر الهذلي، كان عالما بأيام العرب وسيرها وأحد أصحاب الحديث، لقي الزهري والحسن البصري ومحمد بن سيرين وكان بصريا، وكان أخباريا علامة، مات سنة ١٥٩ هـ. ينظر: الوافي بالوفيات: الصفدي (١٥/ ٢٠٢).
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١٠/ ٤١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>