للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وفعل المشيئة إن كان معلقا بشرط فإنه يكفي عن مفعوله جزاء الشرط. والأصل: فلو شاء هدايتكم أجمعين لهداكم أجمعين، ولكنه لم يشأ، كما قال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [سورة السجدة: ١٣] وهذا معنى قوله: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فالله تعالى صرح بأنه لو شاء لهداهم أجمعين، فعرف بأن شركهم بمشيئته، وأنه لو شاء أن لا يشركوا ما أشركوا ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [سورة الأنعام: ١٠٧] ونحو ذلك من الآيات (١).

فائدة:

ذكر الشنقيطي في تفسيره: أن القاضي عبد الجبار قال: سبحان من تنزه عن الفحشاء، يعني أن السرقة والزنا ليسا بمشيئة الله؛ لأنه في زعمه أنزه من أن تكون هذه الرذائل بمشيئته.

فقال أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل. ثم قال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء.

فقال عبد الجبار: أتراه يشاؤه ويعاقبني عليه؟

فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبرا عليه، أأنت الرب وهو العبد؟

فقال عبد الجبار: أرأيت إن دعاني إلى الهدى، وقضى علي بالردى، دعاني وسد الباب دوني؟ أتراه أحسن أم أساء؟

فقال أبو إسحاق: أرى أن هذا الذي منعك إن كان حقا واجبا لك عليه فقد ظلمك وقد أساء، عن ذلك علوا كبيرا، وإن كان ملكه المحض فإن أعطاك ففضل وإن منعك فعدل.

فبهت عبد الجبار، وقال الحاضرون: والله ما لهذا جواب (٢).


(١) انظر: العذب النمير من مجالس الشنقيطي: د. خالد السبت (٢/ ٤٣٧).
(٢) أضواء البيان: الشنقيطي (٧/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>