للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فآية الأنعام نزلت بمكة ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت شيء محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، فإن هذه وإن كانت في حكم الميتة فكان في النظر احتمال أن تلحق بالمذكِّيات لأنها بأسباب وليست حتف الأنف، فلما بين النص إلحاقها بالميتة كانت زيادة في المحرمات.

ثم نزل النص على رسول الله في تحريم الخمر بوحي غير منجز، وبتحريم كل ذي ناب من السباع، فهذه كلها زيادات في التحريم، ولفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله ، فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور إلى غاية المنع والحظر، وصالحة بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهية ونحوها.

فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين، وأجمع عليه الكل منهم، ولم تضطرب فيه ألفاظ الأحاديث، وأمضاه الناس على إذلاله (١)، وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع (٢).

ومما يدل على أن الزيادة في المُحرمات بعد حصرها بالنفي أو الإثبات لا تعد نسخًا: قول النبي : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس" (٣)، وقد ذكر أهل العلم أن أسباب القتل عشرة، منها متفق عليه ومنها مختلف فيه ولم يعد ذلك نسخا وإنما هو زيادة بيان، وكما لم تعد الزيادة في التكليفات من أركان الديانات والأجناس المختلفات نسخا، إذ لم تأت الشريعة جملة واحدة وإنما وضعت نوعا نوعا وفوجا فوجا، هذا كما لم يعد جواز أكل الكبد والطحال وتخصيص ذلك من الدم نسخا، مع أن تحريم كل ذي ناب من السباع لم يرد في الصحيح التحريم، وإنما جاء بلفظه نهي المحتملة للتحريم والتنزيه (٤).


(١) أي: على وجوهه التي تصلح وتَسهُل وتتيسر.
(٢) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٤/ ١٥٤)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٩/ ٨٠).
(٣) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، برقم: (٤٥٠٢)، قال الألباني: حديث صحيح.
(٤) الناسخ والمنسوخ: ابن العربي (٢/ ٢١٨، ٢١٩)، بتصرف، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٩/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>