الثالث: أنه لا يمنع من كون الإيمان بالشرك متضادان أنهما لا يختلطان، وذلك أن الشرك جمع بين الاعتراف لله بالإلهية والاعتراف لغيره بالربوبية، والعكس كذلك. ولما كان الاعتراف لغيره ظلما - لأن الظلم اعتداء على حق صاحب حق، والله حقه أن يفرد بالعبادة اعتقادا وعملا وقولا-، كان إيمانهم بالله مخلوطا بظلم وهو إيمانهم بغيره، وحمله على هذا المعنى هو الملائم لاستعارة اسم الخلط لهذا المعنى، لأن الإيمان بالله وإشراك غيره في ذلك كلاهما من جنس واحد وهو اعتقاد الربوبية فهما متماثلان، وذلك أظهر في وجه الشبه، لأن شأن الأجسام المتماثلة أن يكون اختلاطها أشد فإن التشابه أقوى أحوال التشبيه عند أهل البيان. والمعنى الذين آمنوا بالله ولم يشركوا به غيره في العبادة (١).
تنبيه:
ما علل به القاسمي ﵀ تعقبه على الزمخشري من أن الإيمان يُلابس الشرك صحيح في الجملة إلا أن عليه ملحظان:
الأول: قوله: "بأن الإيمان يلابسه لأنه إن أريد بالإيمان مطلق التصديق، سواء كان اللسان أو غيره، فظاهر أنه يجامع الشرك كالمنافق"(٢).
وهذا القول والله أعلم في ظاهره يوافق اعتقاد الأشاعرة القائلين بأن الإيمان بالله هو مطلق التصديق، دون اشتراط نطق اللسان بالشهادتين، وعمل الجوارح.
وهذا خلاف ما يعتقده القاسمي ﵀ من أن الإيمان هو: اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح (٣)، وفقًا لما عليه السلف.
الثاني: قوله: "ولو أريد التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرج عن الكفر، فلا يلزم من لبس الإيمان بالشرك الجمع بينهما، بحيث يصدق عليه أنه مؤمن ومشرك، بل تغطيته بالكفر، وجعله مغلوبا مضمحلا، أو اتصافه بالإيمان، ثم الكفر، ثم الإيمان ثم الكفر