يدل على أن المراد من الظلم في الآية: الشرك بالله ﷿.
الرابع: أن الله تعالى ذكر في الآيات الفريقين بصيغة السؤال فقال: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ﴾ والمراد: فريق الموحدين وفريق المشركين، فأجاب بأنهم الذين آمنوا. وهو من باب التبكيت، كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ﴾ [سورة الأنعام: ١٩]، وقوله: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ [سورة الرعد: ١٦](١)، فاستلزم ذلك بأن يكون المراد من الظلم في الآية: الشرك، والله أعلم.
ذكر الزمخشري في تفسيره أن المراد من الظلم في الآية المعاصي المُفَسِّقة، وليس الكفر، وعلل ذلك بأن لبس الإيمان بالشرك بمعنى: خلطه به، وهو مما لا يتصور، لأنهما ضدان لا يجتمعان.
والجواب عن هذا التفسير من أوجه:
الأول: ما تقدم ذكره من الأوجه التي تؤيد أن المراد من الظلم في الآية: الشرك وليس المعاصي، وأبرز هذه الأوجه أن النبي ﷺ فسر الظلم بالشرك، وليس هو بأعلم من النبي ﷺ حتى يُفسر القرآن بخلاف تفسيره.
الثاني: الآيات الصريحة الدالة على أن الشرك يلابس الإيمان، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [سورة يوسف: ١٠٦] وقوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [سورة البقرة: ٨٥]، فالمراد من الإيمان تصديق القلب، وهو قد يجامع الشرك، كأن يُصدّق بوجود الصانع دون وحدانيته (٢).