المسألة، يظهر أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن الآية مُحكمة وليست منسوخة، وذلك من أوجه:
الأول: أن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن الناسخ والمنسوخ إنما يؤخذ به بالتيقن والتوقيف، أما إذا طرأ الاحتمال، وأمكن الجمع بين الآيتين والعمل بهما فلا معنى للقول بالنسخ (١).
يقول ابن حزم:"لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة هذا منسوخ إلا بيقين لأن الله ﷿ يقول ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ .... إلخ"(٢).
الثاني: أنه يُمكن الجمع بين آية الأنعام وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ﴾ وآية النساء وهي قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ بأن يُقال: أن آية الأنعام تدل على أنه ليس على من اتقى الله من حساب هؤلاء الخائضين شيء، أي ليس (عليه) من إثمهم شيء إذا اتقى ما هم فيه، وذكرهم فقام من مجلسهم.
وأما آية النساء فإنها تدل على أنه إذا ذكرهم ولم ينتهوا فلا يقعد معهم، فالآيتان محكمتان، ولا تعارض (٣).
الثالث: ما ذهب إليه جمع من المفسرين أن قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ خبر ومحال نسخه، والمعنى فيه بين، ليس على من اتقى الله تعالى إذا نهى إنسانا عن منكر من حسابه شيء الله مطالبه ومعاقبه وعليه أن ينهاه ولا يقعد معه راضيا بقوله وفعله وإلا كان مثله (٤).
(١) انظر: الناسخ والمنسوخ: النحاس (ص: ٦٧٢)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٩/ ٢٤٧)، وانظر: قواعد الترجيح: حسين الحربي (١/ ٦٧). (٢) الإحكام: ابن حزم (٤/ ٨٣). (٣) الهداية: مكي بن أبي طالب (٣/ ٢٠٥٩، ٢٠٦٠)، وانظر: الإيضاح: مكي بن أبي طالب (ص: ٢٨٢)، وانظر: تفسير الراغب الأصفهاني (٤/ ٢٠١). (٤) انظر: الناسخ والمنسوخ: النحاس (ص: ٤١٧)، وانظر: الإيضاح: مكي بن أبي طالب (ص: ٢٨٢)، وانظر: نواسخ القرآن: ابن الجوزي (٢/ ٤٢٥)، وانظر: روح المعاني: الآلوسي (٨/ ٢٣٣).