للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والشاهد من الشعر هو في قوله: (يُفَرِّطُ)، ووجه ذلك: أن (حَملَه) مفعول به لـ (يُفَرِّطُ) وتعدى الفعل (يُفَرِّطُ) بدون حرف جر، فلم يقل: لا يُفرّط في حمله.

وبهذا يتبين أن القول بأن (فرَّط) تتعدى بنفسها، له حظ من النظر لما تقدم إيراده من الشواهد الشعرية التي تدل على ذلك.

وأما القول الثاني: وهو أن قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾ لا يتعدى بنفسه، إنما يتعدى بحرف، وقد عدى بـ ﴿فِي﴾ إلى ﴿الْكِتَابِ﴾ فلا يتعدى بحرف آخر، وهو الذي ذهب إليه أبو البقاء وتبعه الشهاب الخفاجي (١)، فقد تُعُقِّبَ بأنه يجوز أن يكون ﴿فرَّط﴾ يتعدى بنفسه، لدخول النفي عليه.

قال أبو حيان مُعقبًا على أبي البقاء: " وما ذكره من أنه لا يبقى على هذا التأويل حجة لمن ذكر ليس كما ذكر لأنه إذا تسلط النفي على المصدر كان المصدر منفيا على جهة العموم، ويلزم من نفي هذا العموم نفي أنواع المصدر ونوع مشخصاته، ونظير ذلك (لا قيام) فهذا نفي عام فينتفي منه جميع أنواع القيام ومشخصاته كقيام زيد وقيام عمرو وما أشبه ذلك فإذا نفي التفريط على طريقة العموم كان ذلك نفيا لجميع أنواع التفريط ومشخصاته ومتعلقاته، فيلزم من ذلك أن الكتاب يحتوي على ذكر كل شيء" (٢).

وتعقبُ أبو حيان أجاب عنه ابن عرفة فقال: رآها أن النفي دخل على الفعل المؤكد بالمصدر فنفاه، ونحن نقول: دخل على الذي قبل التأكيد ثم أكد بعد ذلك، وهو نفي أعم لا نفي أخص (٣).

وأما القول الثالث: فهو قريب من القول الثاني وكأنه أعم منه، وهو أن قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾ من حيث حقيقة اللفظ لا يتعدى بنفسه، وإنما مجاز أو بطريق التضمين، أي تضمن معنى فعل آخر، أي: فرط به أو فرط فيه، أو بمعنى قصَّر، أو أن يكون تضمن التعدية


(١) انظر: عناية القاضي: الشهاب الخفاجي (٤/ ٥٥).
(٢) البحر المحيط: أبو حيان (٩/ ١٤٥).
(٣) انظر: تفسير ابن عرفة (٢/ ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>