قال: فقال الله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (١).
وقد شهد الله تعالى للصحابة والتابعين بالرضى والفضل العظيم في كتابه، وشهد لهم النبي ﷺ بالفضل والخيرية في سنته، وأجمع أهل العلم على ذلك، فليس لأحد بعدهم من العلم والفهم عليهم، لاسيما وأهل البدع والمتكلمين الزائغين، ممن طمس الله بصيرته بظلمات البدع، وحال بينه وبين نور الكتاب والسنة.
رابعًا: أن حمل قوله تعالى ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ على أنهم كذبوا في الدنيا يوجب فك نظم الآية، وصرف أول الآية إلى أحوال القيامة وصرف آخرها إلى أحوال الدنيا وهو في غاية البعد (٢).
تنبيهان:
الأول: أن هذه المسألة تتعلق بأصل عند المعتزلة وهو القول بالتحسين والتقبيح العقليين، فالمعتزلة يقولون بالحسن والقبح ويجعلون ذلك صفات ذاتية للفعل لازمة له ولا يجعلون الشرع إلا كاشفا عن تلك الصفات لا سببا لشيء من الصفات.
والتحسين والتقبيح العقليين عندهم راجع إلى أن العقل هو أصل المعرفة فلذلك كان أصلا للسمع وكان مقدما عليه عند التعارض.
وبناء على هذا الأصل الفاسد قالوا: أن أهل القيامة يعرفون الله تعالى بالاضطرار، إذ لو عرفوه بالاستدلال لصار موقف القيامة دار التكليف، وذلك باطل، وإذا كانوا عارفين بالله على سبيل الاضطرار وجب أن يكونوا ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبيح بمعنى أنهم لو راموا فعل القبيح لمنعهم الله منه؛ لأن مع زوال التكليف لو لم يحصل هذا المعنى لكان ذلك إطلاقهم في فعل القبيح، وأنه لا يجوز، فثبت أن أهل القيامة يعلمون الله بالاضطرار، وثبت أنه متى كان كذلك كانوا ملجئين إلى ترك القبيح، وذلك يقتضي أنه لا يقدم أحد من أهل القيامة على فعل القبيح.
(١) أخرجه ابن جري الطبري في تفسيره (٩/ ١٩٥). (٢) انظر: مفاتيح الغيب: الرازي (١٢/ ٥٠٤).